عماد المديفر
الحديث عن تعرض أعداد كبيرة من السياح عموماً في تركيا لجرائم السلب والنهب، وحتى السطو تحت تهديد السلاح، بل والخطف أيضاً، ثم المساومة بطلب الفدية والابتزاز من تلك العصابات والمافيات التركية؛ أمرٌ ليس بالجديد.. فالحالات المسجلة والموثقة بهذا الشأن كثيرة، لدرجة أن هناك أفلاماً سينمائية غربية تناولت ذلك، هذا بالإضافة إلى التحذيرات شبه السنوية التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوربية لتنبيه مواطنيها إذا ما أرادوا السفر إلى تركيا؛ بضرورة أخذ الحيطة والحذر، فلطالما كانت تركيا ضمن قائمة الـTop Ten للدول الأكثر في معدلات الجريمة على مستوى العالم، رغم انتشار الكاميرات الأمنية في كل مكان، الأمر الذي قد يشي - ربما - إلى وجود نوع من التواطؤ أو الفساد داخل الأجهزة التركية المعنية في حفظ الأمن.
إلا أن هذه المعدلات ازدادت كثيراً وبشكل دراماتيكي خلال السنتين الأخيرتين، وقد يعزى ذلك كنتيجة لحالة التدهور الحاصلة في الاقتصاد التركي، والذي تكشفه مؤشراته، بالأرقام، والذي يبدو بحالة أشبه ما تكون بالسقوط الحر، وكذلك الحال فيما يخص العملة التركية التي فقدت ما يقارب الـ35 % من قيمتها السوقية أمام الدولار الأمريكي، الأمر الذي ساهم كذلك بارتفاع معدلات البطالة، المرتفعة أصلاً..
والواقع أن الاقتصاد التركي، بالأساس، في حالة سيئة منذ مدة طويلة، بيد أنه تحسن بالفعل قبل تسع سنوات تقريباً، ثم قفز قفزات إيجابية مع بروز الأزمة السورية، وازدياد وطئتها شدة.. وقد عزت التقارير الرصينة تحسن الاقتصاد التركي تلك الفترة؛ إلى انتهاز تركيا للعقوبات الدولية التي فرضت على إيران العام 2006م، فكانت الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني، ويتم من خلالها التهرب من العقوبات، حتى كشفت التحقيقات الدولية فيما بعد تورط شخصيات كبيرة ومسؤولة، مقربة من الرئيس التركي رجب أردوغان، في عمليات فساد وتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وغسيل أموال، ومنهم على سبيل المثال وزير الاقتصاد التركي الأسبق محمد ظافر شاغليان، والمدير العام السابق للبنك المركزي التركي سليمان أصلان، وغيرهم. وكذلك الحال في ذروة الأزمة السورية وسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على منابع النفط السوري، حيث ذكرت التقارير أن تدفقات نفط داعش كانت تتجه إلى تركيا، ما يعطي إشارة إلى علاقة تركيا بهذه التنظيمات الإرهابية بشكل أو بآخر، وبعد انكفاء داعش، وخسارته لمواقعه التي كان يسيطر من خلالها على آبار النفط؛ عاد الاقتصاد التركي للتقهقر خلال العامين الماضيين، الأمر الذي تسبب بارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، وربما يفسر ذلك ازدياد معدلات الجريمة، واستهداف السياح الأجانب.
بيد أن ما لوحظ مؤخراً هو استهداف سرقة الجوازات السعودية، حيث كشفت مصادر موثوقة مضطلعة لصحيفة الشرق الأوسط إلى سرقة ما يقارب الـ170 جواز سفر سعودي خلال الأربعة أشهر الماضية، منها قرابة الـ150 جوازا في تسعة أيام فقط!.. فلماذا جوازات السفر السعودية تحديداً؟!
الواقع أنه ثمة العديد من التقارير الغربية التي نُشرت مؤخراً، والمستندة إلى وثائق، والتي تشير إلى تورط جهاز المخابرات التركية MIT بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة، ودورها في تسهيل تنقلات الحافلات التي تقل الإرهابيين والذخيرة والمتفجرات، والدعم اللوجستي لهذه المجاميع، وتحركاتها، داخل الأراضي التركية، وانطلاقاً منها، وفي طريقها إلى سوريا، وليبيا، وربما غيرها أيضاً..
لذلك؛ لا يستبعد المراقبون أن يكون استهداف جواز المواطن السعودي بالذات بغرض تمريره، أو بيعه، ليس فقط للمافيا، وعصابات المخدرات، والمجرمين.. بل قد يكون الهدف تمريره - بشكل أو بآخر- للتنظيمات الإرهابية، ولعناصرها الهاربة، أو التي ستهرب، وربما تنتشر وتتوزع مستقبلاً حول العالم هنا وهناك، وهو لعمري أمر بالغ الخطورة. إلى اللقاء.