عبدالله بن محمد بن سليمان
بعد استرداد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- للرياض في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، كان أول عمل عمراني قام به، رحمه الله، هو الأمر بإعادة بناء المتهدم من سور الرياض، الذي سبق أن هدمه حاكم حائل الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد بعد دخول الرياض تحت نفوذه عام 1309هـ، كما قام ابن رشيد بهدم عدد من القصور الملكية كان أبرزها قصر الإمام تركي ومن بعده ابنه الإمام فيصل (قصر الحكم)، وقصر الإمام عبد الله بن فيصل المسمى (القصر الجديد)، وبقي قصر الحكم منهدماً مهجوراً. وفي المقابل أمر محمد بن رشيد ببناء قصر المصمك ليكون مقر الحكم لوالي الرياض من قِبله، وقد نفذ بناءه (الأستاد) ابن نعام من أهل حائل فوق أنقاض قصر الإمام عبد الله بن فيصل (الجديد). وقد عُثر على تاريخ منقوش في أحد جدران البرج الشمالي لقصر المصمك أثناء ترميمه يشير إلى تاريخ بناء القصر وهو 2 شعبان 1312هـ. ولم يسكن الملك عبد العزيز قصر المصمك، بل استخدمه مستودعاً للذخيرة والسلاح، وللمواد الغذائية، وبيتاً للمال، وسجناً في فترات متفاوتة. ومن حسن الطالع أن قصر المصمك لم يمسه أي خراب أو هدم، بل تم ترميمه ومن ثم تحويله من قبل هيئة تطوير الرياض إلى متحف لمراحل توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، وافتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله ورعاه، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض عام 1416هـ. أما بالنسبة إلى قصر الحكم، فبعد عشر سنوات من استرداد الرياض، تفرغ الملك المؤسس لإعادة بناء وترميم قصر الحكم، وذلك في حدود عام 1327هـ، بعد أن قام، رحمه الله، بلم شمل معظم مناطق نجد تحت لوائه، حيث أمر بالبدء في ترميم القصر وزيادة مبانيه وانتقل إليه عام 1330هـ، واستمر البناء فترات متفاوتة كلما دعت الحاجة. وقد رصد عدد من الرحالة الأجانب الذين قدموا لزيارة الملك عبد العزيز وأقاموا في أحد أجنحة القصر في سنوات متفرقة ما شاهدوه من عملية البناء والتطوير للقصر. ومن هؤلاء الرحالة جرارد ليتشمان الذي قدم إلى الرياض عام 1330هـ/ 1912م وحل ضيفاً على الملك عبد العزيز وأسكنه في أحد أجنحة القصر، ويقول ليتشمان وهو يشاهد عملية البناء أن الملك عبد العزيز ذكر له أنه كان مشغولاً في العشر سنوات الماضية في الغزوات وتوحيد البلاد ولم يتفرغ للبناء والتعمير وتوفير أماكن مناسبة لضيوفه، وقد التقط ليتشمان أل صور للقصر وللجامع والمعالم حوله. ثم حل ضيفاً آخر على الملك عبدالعزيز وهو الكابتن وليم شكسبير الذي قدم عام 1333هـ/ 1914م، والتقط عدداً من الصور أيضاً للقصر والجامع وما حولهما. ثم قدم المستشرق سانت جون فلبي (عبد الله فلبي) عام 1336هـ/ 1917م وأسكنه الملك عبد العزيز جناحاً في الجزء الشمالي من القصر، وبعد غياب خمسة أشهر عن الرياض وعودته إليها ثانية شاهد زيادة في بناء القصر وكان الملك عبد العزيز يتجول معه ليطلعه على المباني الجديدة ضمن القصر، ويذكر فلبي أنه لم يعد يعرف طريقه إلى مقر جناحه بعد إعادة البناء والتحسين للقصر. كما أقام في القصر المؤرخ اللبناني الأصل الأمريكي الجنسية أمين الريحاني عام 1341هـ/ 1922م وشاهد هو الآخر البناؤون يزيدون من مباني القصر وذكر أن قصر الحكم مجمع ضخم يحتوي على عشرة قصور داخله وأطلق على الرياض «مدينة الجسور» نظراً لما شاهده من كثرة الجسور التي تربط القصور والمباني بعضها ببعض داخل مجمع قصر الحكم، وكذلك الجسور الأخرى التي تربط القصر بالمعالم العمرانية المحيطة به من الخارج مثل الجامع الكبير، وقصر المالية ومضيف خريمس من الشمال، وقصر الديوانية، قصر الإمام عبد الرحمن، وقصور آل سعود من الشرق. وقد استمرت الزيادات والتحسينات منها دخول الكهرباء إلى القصر في عام 1353هـ/ 1931م. فقد ذكر محمد المانع المترجم في بلاط الملك عبد العزيز حينها، وقد سكن في أحد أجنحة القصر، أن القصر أكبر بناية في الرياض ومساحته تقارب ثمانية آلاف متر مربع، وله أربعة أبراج في زواياه الأربع، وعندما شاهد الملك عبد العزيز إنارة الحرم المكي بمولدات كهربائية جلبت من الهند، أمر بإحضار مولدات مثيلة إلى القصر، وأحضر ثلاثة مولدات، وتم تمديد شبكة من الأسلاك الكهربائية في أرجاء القصر، وقد قام بالترجمة للملك عبد العزيز عما يقوم به المهندس الهندي الذي تولى تلك المهمة، وتم إنارته بالكهرباء لأول مرة في الرياض في ذلك العام. وقد استمر الملك عبد العزيز في توسعة القصر وتحسينه على مدى السنوات اللاحقة حتى أواخر الستينات الهجرية/ الأربعينات الميلادية. وكان يحيط بالقصر أحياء قلب الرياض القديمة داخل السور وتشمل دخنة والمريقب والجفرة والشرقية والحلة والدحو وجنوب الظهيرة وحلة المراكيب وحلة الأجناب والقناعي والمعيقلية. وفي آخر سنة من عهد الملك عبد العزيز، رحمه الله تعالى، عام 1372/ 1373هـ تم هدم هذه التحفة امعمارية وقد بلغت مساحته خمسة عشر ألف متر مربع، كما قد تم هدم سور الرياض وبواباته قبله سنة 1370هـ. وفي أوائل عهد الملك سعود، رحمه الله تعالى، أعيد بناء قصر الحكم بالطراز المسلح الحديث، وأصبح القصر الجديد علامة بارزة وفارقة بالمدينة بواجهاته العالية المزينة بالمقرنصات، ومزلقان موكب الملك والأمير أمام بوابته المهيبة، حيث يقع أمامها ميدان الصفاة الشاسع، والجامع الكبير، الذي أعيد بناءه هو الآخر بالمسلح والحجر، وسُقف بمرابيع الخشب، وأصبحت مناراته السامقة وصوت المؤذن الشيخ عبد العزيز بن ماجد «رحمه الله» من العلامات المميزة للرياض على مدى أكثر من أربعة عقود. وفي عام 1402هـ تم بناء ثلاثة مباني إدارية وسط الرياض خلف قصر الحكم من الجنوب؛ مبنى لمكاتب الأمارة، وآخر للأمانة، وثالث للشرطة، وبني بجوارها من الغرب محلات تجارية، وحلت هذه المباني مكان ثلاثة من أحياء الرياض القديمة شملت دخنة والمريقب وحلة آل حماد، واختفت على أثرها مساجد تراثية مثل مسجد آل حماد، ومسجد خالد بن سعود، وأسواق حرف تقليدية شملت الخرازة، والحدادة، والربابة، وأدوات الفلاحة، والبناء، والهدم (الملابس)، وكذلك أسواق أخرى أبرزها سوق السدرة، وسوق الحساوية، وسوق الحريم. وفي عام 1408هـ تم هدم قصر الحكم والجامع الكبير مرة أخرى ومعالم أخرى حولهما أبرزها مبنى محلات الصيارفة مثل الراجحي وابن مقيرن والصانع وابن سليمان والشقري والراشد الحميد ومنهم تمخض أبرز بنوك المملكة مثل مصرف الراجحي وبنك البلاد وغيرها، ثم أعيد بناء القصر والجامع الحاليين عام 1412هـ. ثم بني غرب الجامع مبنى خرساني متعدد الأدوار سمي سوق المعيقلية محل سوق أوشيقر وسوق الجفرة التقليديين وما حولهما من أحياء أبرزها حي المعيقلية، ولم يربط بين هذا المبنى الخرساني الجديد وتلك المعالم القديمة التي حل محلها أي رابط. وفي وقت لاحق قامت شركة الرياض للتعمير هي الأخرى ببناء مجمع تجاري ومحلات تجارية عديدة استثمارية تخصها غرب قصر الحكم، وعلى الصامت جهة طريق الملك فهد من الغرب، وأخفى هذا المجمع ومحلاته التجارية كامل أحياء المريقب والشرقية وسوق المقيبرة وغيره من الأسواق التراثية القديمة بدلاً من محاولة إعادة شيء من عبق تراث تلك المواقع ذات البعد التاريخي.
وعودة إلى عهد الملك عبد العزيز، فقد تزامن مع إعادة بناء قصر الحكم وتحسينه وتوسعته من قبل الملك عبد العزيز، بناء عدد من القصور والمنشآت الأخرى مثل قصر عتيقة، قصر الأمير محمد بن عبد الرحمن جنوب الرياض، وكان مجمعاً عمرانياً ضخماً، وقد تم هدمه منذ بضع سنين. وقصر الشمسية قصر الأمير سعود الكبير وحرمه الأميرة نورة بنت الإمام عبد الرحمن الذي لا تزال أطلاله باقية بالقرب من برج مياه الرياض، وقصر خزام، قصر الأمير فيصل بن سعد القريب من قصر الشمسية، وقد هدم مؤخراً وأصبح مواقف للسيارات حول محلات تجارية. كما قد أقام الملك عبد العزيز «رحمه الله» في حدود عام 1350هـ على أرض بستان العطنة المجاور لبستان القري جنوب شرق الرياض مبنى باللبن والطين احتضن مجمع اللاسلكي (البرقية) وكراج السيارات الملكية، وأقيم حوله عمودي أو برجي البرقية الحديدين ولا يزال أحدهما قائماً ومحافظاً عليه مقابل محراب مصلى العيد في حي القري، أما مبنى الكراج، وكان يسمى كراج ابن فوزان المسؤول عن الكراج، فقد أزيل في سنوات لاحقة. كما تم بناء قصر البديعة عام 1353هـ على ضفة وادي حنيفة الغربية في منطقة الباطن غرب الرياض، وقد اشتمل على قصرين، أحدهما قصر للملك عبد العزيز، والآخر قصراً للضيافة أقام فيه العديد من الضيوف الأجانب في عهد الملك عبد العزيز وعهد الملك سعود، ومن حسن الطالع أنهما لا يزالان قائمان ومحافظاً عليهما. وبعد بدء استخدام السيارات في الرياض، أنشئت ثلاثة مراكز للشرطة لمراقبة حركة الدخول والخروج حول الطرق الرئيسية خارج الرياض، فبني مبنىً طينياً على تلة تشرف على الطريق المؤدي إلى الحجاز بالقرب من وادي نمار جنوب الرياض، وبني مثيلاً له في الغرابي شرق الرياض، وآخر في الشمال الغربي في الجبيلة، وقد قام ببناء هذه المراكز الطينية (الأستاد) حمد بن قباع بنفس التصميم والشكل حيث تتكون من عدد قليل من الغرف وواجهة تطل من علوها شرفة بارزة ترتكز على عمودين في المقدمة، ويتخلل جدرانها العلوية فتحات بنادق الرماية (المزاغيل)، وكان مركز الشرطة جنوب الرياض موجوداً إلى عهد قريب، وكان شكله مميزاً يشبه ما يراه السائح عن بعد من قلاع جبلية صغيرة مطلة في مدن أوروبا، وقد فقد ذلك المركز التراثي عند زحف المخططات العمرانية الحديثة حوله في جنوب الرياض. وعلى هضبة شرق وادي البطحاء كانت تقع قلعة المرقب، وكانت مهدمة ولا يعرف بانيها، وأعاد ترميمها وباءها الملك عبد العزيز عام 1354هـ، حيث أشرف (الأستاد) حمد بن قباع على بنائها وأصبحت قلعة ضخمة ذات أبراج خمسة مربعة ومجصصة ومعلم جميل من معالم الرياض القديمة، وقد استخدم حولها مدفع رمضان لإعلان الإمساك والإفطار ودخول الشهر والأعياد لسنوات عديدة، وقد هدمت هذه القلعة التاريخية كما أزيلت الهضبة القائمة عليها في منتصف السبعينات الهجرية. وفي نفس الفترة من الخمسينات الهجرية، تم بناء مبنى رباط الإخوان وسط حي دخنة، وهو مبنى مستطيل مميز استخدم الدور الأرضي منه متاجر ودكاكين لبيع التمر والمواد الغذائية وما شابهها أمام ميدان دخنة، والطابق العلوي بني فيه العديد من الحجرات التي استخدمت سكناً لطلبة العلم الذين وفدوا من القرى والمدن حول الرياض للدراسة في حلقات مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المجاور في حي دخنة، وقد هدم ذلك المبنى في السبعينات الهجرية لتوسعة ميدان دخنة. وفي سنة 1355هـ أنشأ الملك عبد العزيز مجمع المربع الملكي وانتقل إليه من قصر الحكم عام 1357هـ، وشمل العديد من القصور أبرزها قصر المربع، (قصر الديوان)، وقصر الملك السكني المسمى القصر الشمالي، إضافة إلى قصور أخرى لأبنائه وعائلته ومدرسة للأمراء ومرافق أخرى. وقد أحيط بهذا المجمع بسور ضخم بلغ طوله وعرضه 400 متر لكل منهما شمل ستة عشر برجاً مربعاً للحراسة والحماية، ولا يزال واحداً من هذه الأبراج باقياً إلى اليوم. كما قام الملك ببناء العديد من القصور لأبنائه الأمراء منها قصر لولي عهده الأمير (الملك) سعود وقصراً آخر للضيافة بجانب قصر المربع من الجنوب، وقد أصبح قصر ولي العهد لاحقاً في بداية عهد الملك سعود أول مقر لمجلس الوزراء بعد تأسيس المجلس عام 1373هـ. وبعد اكتمال بناء قصر الملك سعود بالناصرية والانتقال إليه عام 1376هـ، أهدى الملك سعود قصره بالمربع، قصر الحمراء، للأمانة العامة لمجلس الوزراء ليكون مقراً للمجلس، كما أهدى قصره الطيني وقصر الضيافة المجاور له لوزارة المعارف وتم هدمهما وأقيم مكانهما مدرسة اليمامة الثانوية وقاعة المحاضرات العامة أواخر السبعينات الهجرية، التي هدمت هي الأخرى ضمن تطوير مجمع قصور المربع وإنشاء مركز الملك عبد العزيز التاريخي بمناسبة السنة المئوية لتأسيس المملكة عام 1419هـ.
كما أمر الملك عبد العزيز ببناء قصر للأمير (الملك) فيصل، عرف باسم قصر أم قبيس، ولم يسكنه الأمير فيصل لوجوده نائباً للملك بالحجاز، واستخدم قصراً للضيافة، ثم مقراً للمعهد العلمي بالرياض فترة وجيزة في السبعينات الهجرية، ثم هدم وأقيم مكانه دار الكتب الوطنية على شارع الوزير (الملك فيصل). كما يقع من الشرق منه قصر ثليم أو مضيف ثليم الذي بني عام 1359هـ، ثم هدم هذا القصر الطيني وبني مسلحاً وأصبح مقراً لمالية الرياض في عهد الملك سعود ولا يزال قائماً. كما بني قصراً للأمير (الملك) خالد بن عبد العزيز ضمن بستانه المعروف حوطة خالد جنوب المربع وهدم ذلك القصر وأقيم مكانه برج الخالدية الجنوبي على شارع الخزان، وعلى الجانب المقابل يقع برج الخالدية الشمالي، وتحته من الشمال يقع أحد القصور التراثية المزخرفة بلمسات جمالية منها النوافذ الخشبية الخضراء والسيفين والنخلة وتحتها تاريخ بناء ذلك القصر عام 1373هـ.