د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
قصدتُ منزله بمكة لأجلس إليه، واستفيد منه، وأستجيزه بمروياته فأجازني بمروياته وكُتبه، بل وأجازني حتى بنظمه وشعره! فما أكرم نفسه، وأخف ظله، تربى على أيدي علماء أجلاء سعِدَ بهم، وروى عنهم، وعلى رأسهم الشيخ العلامة الموفّق عبدالله القرعاوي - رحمه الله- والذي رثاه الشيخ علي بقصيدة تنبئ عن نفسها، إذ قال في مطلعها:
مصابك أدمى فؤادي الحزين
وفاضت له من عيوني عيون
ومنها أطار الكرى عندما
أطال إسهاده للجفون
ومن مشايخه الشيخ العلاَّمة حافظ الحكمي -رحمه الله- وقد كان الشيخ قرأ عليه كتبه ولازمه، وكتب في إجازته لكاتب المقال: (وأن يرووا عني مؤلفات شيخي الجليل، العصامي النبيل، حافظ بن أحمد بن علي الحكمي التي تلقيتها عنه مناولة، وقراءة، وسماعاً وإملاء).
ومن مشايخه الشيخ القاضي محمد بن هادي الفضلي والذي توفي في سنة 1399هـ ، وقد رثاه بقصيدة مطلعها:
أي خطب قد أقضَّ المضجعا
أي كلم للحشا قد مزعا
أي بحر غار أو نجم هوى
أي بدر في الثرى قد أودعا
وقد حضر الشيخ علي - رحمه الله - دروس الشيخ العلاَّمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - أثناء إقامته في الرياض، وحضر دروس الشيخ العلاَّمة عبدالله بن حميد - رحمه الله - في الحرم المكي وغيرهم من العلماء كثير، إذ بلغ عدد من تلقى منهم العلم ما يقرب من ثلاثين عالماً.
ولد الشيخ علي - رحمه الله - عام 1348هـ، وفي الأوراق الرسمية قد كُتب فيها 1350هـ، وتلقى ما شاء الله من العلم في بلدته وخاصة المدرسة التي أسسها الشيخ القرعاوي بفيفا ثم بعد مدة التحق بالمدرسة السلفية بسامطة التي كانت تحت إدارة الشيخ حافظ الحكمي، وإشراف القرعاوي، ولازم الشيخ حافظ وسافر معه وشاركه في تصحيح بروفات بعض مؤلفاته التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز - رحمه الله.
وكان الشيخ علي - رحمه الله - حاد الذكاء، سريع البديهة، صبوراً، جاداً، مستشرفاً للمستقبل، تولى الإمامة والخطابة في رملان، وفي فيفا، وقام بالتدريس، ثم بعد ذلك عين قاضياً بمحكمة فيفا عام 1373هـ حين رشحه الشيخ عبدالله القرعاوي ورآه أهلاً لذلك، وفي عام 1406هـ صار قاضي تمييز بمحكمة التمييز بمكة واستمر في القضاء حتى عام 1414هـ.
له ما يقارب من عشرين مؤلفاً وديوان شعر.
له جهود في فيفا لا تُنسى، كم فتح الله على يديه من مدرسة بفيفا، حتى جاوزت عشر مدارس للبنين والبنات، وسعى في فتح المعهد العلمي، وفتح مكتب الدعوة والإرشاد، ومركز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووفقه الله لنشر السنة في فيفا وما حولها، ومواجهة المذهب الزيدي بحكمة وبُعد نظر، وله جهود في محاربة البدع - رحمه الله.
فهو شيخ فيفا، وقاضيها، وعالمها، والساعي لنفعها، وبذل الجاه في تقديم الخدمات لها.
وقد حصل بينه وبين الشيخ راشد بن خنين - رحمه الله - موقف يستحق أن يُذكر، يقول الشيخ علي -غفر الله له -: في عام 1409هـ ضمتنا الصالة الملكية بقصر السلام في جدة وكنت على مقربة من شيخنا معالي الشيخ راشد بن خنين فناولني بواسطة أحدهم كرتاً مكتوباً عليه هذا البيت:
عليٌ بلا فيفا وفيفا بدونه
فكيف استطاعا العيش بعد التفرّقِ
يقول الشيخ علي فكتبت تحته:
مقادير ربي في اجتماع وفُرْقة
ومكة أولى يا أخي بالتعلّقِ
فكتب تحتهما:
صدقت هنيئاً بالمقام ببكة
ولا تنس فيفا من لقاء ومنطق
فحركت هذه الأبيات قرائح شعراء فيفا وأولهم الشيخ علي - غفر الله له - فكتب قصيدة جاء فيها:
لقيتُ صديق العمر رمز التفوق
سليل المعالي في الرحاب المفوَّق
رحاب مليك ثاقب الرأي راشد
أبي فيصل فخر البلاد الموفَّق
فداعبني بالقول شعراً أثارني
وحرَّك وجداني بحسن ترفُّق
«عليٌ بلا فيفا وفيفا بدونه
فكيف استطاعا العيش بعد التفرّقِ»
فقلت وقد جالت بذهني خواطر
مجيباً وكاد العي يحبس منطقي
«مقادير ربي في اجتماع وفُرْقة
ومكة أولى يا أخي بالتعلّقِ»
فجاوبني في الحال نُصْحاً وقال لي
مقالة خِلٍّ صادق الود مشفق
«صدقت هنيئاً بالمقام ببكة
ولا تنس فيفا من لقاء ومنطق»
فقلت وهل ينسى حبيب حبيبه
وكم من بِعادٍ مُشعلٍ للتحرّق
رحم الله الشيخ علي الفيفي ورفع درجته، فقد تُوفي في غرة شهر رمضان هذه السنة (1440هـ)، ولم أعلم عن وفاته - رحمه الله - إلا بعد انسلاخ النصف الأول من شهر شوال، والحمد لله على قضائه وقدره.
** **
(*) عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء