عبدالعزيز السماري
يصل غذاء الإنسان في بعض الأحيان إلى المراتب الأولى في الأخبار اليومية، وقد يسبق أخبار الحروب والنفط، فالبحث عن التغذية الصحية ما زال مستمراً بين استشارات الأطباء وتوصيات خبراء التغذية، التي تتضارب وتختلف من خبير إلى آخر، لكن هذا لا يقلل من الحقيقة العملية أن 80 % من الأمراض المزمنة يمكن الوقاية منها من خلال تغييرات نمط الحياة القابلة للتعديل، ومنها النظام الغذائي..
المشكلة أن فكرة الغذاء الصحي دخلت معترك السوق، فحلت الكارثة، فالتسويق جعل من الغذاء السيء صحياً، وكانت أول تلك التجارب المريرة في الغرب نظام أتكينز الغذائي، وقد كان الأكثر شهرة من بين مجموعة من الأنظمة التجارية الشعبية التي تدعي أنها تساعد الناس على إنقاص الوزن عن طريق تناول كميات قليلة من الكربوهيدرات والأكل العالي البروتين.
لكن الدراسات العلمية المتوالية أظهرت أن حمية أتكينز قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب القاتلة، وذلك عندما وجد تحليل لأكثر من 2.440 رجلاً أن الأشخاص الذين يتناولون نسبة عالية من البروتين يواجهون خطرًا متزايدًا بنسبة 33 في المائة من الإصابة بقصور في القلب، حيث يتعذر على العضو ضخ كمية كافية من الدم والأكسجين حول الجسم.
ثم بدأ بعد ذلك تسويق نظام غذائي جديد، ولكن من خلال مفهوم تجاري، وذلك بعد أن وجدت دراسات بيئية انخفاض معدلات الوفاة بأمراض القلب التاجية بين غرينلاند إسكيموس التي تستهلك كميات كبيرة من المأكولات البحرية، فكان المنتج التجاري أوميغا3، الذي تم تسويقه بشكل يفوق الوصف، ولم تثبت الدراسات المتوالية والقطعية فائدته الصحية بشكل واضح، وما زال الإنسان يحتاج إلى أن يأكل السمك من أجل صحة أفضل. تجاوز التسويق للمنتجات الجاهزة إلى بدعة المعلبات والوجبات الغذائية، فانتشرت المطاعم التي تدعي تقديم الوجبات الجاهزه والصحية، لكنها في واقع الأمر تجارية بحتة، وهدفها الأول مادي، الغذاء الصحي غير لذيذ، ولا بد من إدخال المحسنات واللذات المتنوعة من أجل التسويق، وتصدر التوصيات الغذائية بشكل موسمي، وتختبئ خلفها أطماع التجار، والضحية هو المستهلك، ولهذا نسمع من حين إلى آخر برجر صحي، وبيتزا خضروات، وآيس كريم حمية، وكل ذلك من أجل الربح المادي، وتكوين الثروات من إدمان اللذات المتنوعة.
العلم لديه إجابات - هناك اتفاق أكثر حول النظام الغذائي والصحة، فعلى سبيل المثال، خلص التقرير العلمي عن الإرشادات الغذائية لآخر خمس سنوات، إلى أن اتباع نظام غذائي نباتي هو الأفضل لصحة الإنسان والبيئة على حد سواء، و يجب أن تشتمل أكثر من 75 % من وجبتك على الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة، وينبغي أن تشمل مصادر البروتين الفول والبازلاء والمكسرات والبذور وفول الصويا. كما يعتمد دليل الأغذية في كندا لعام 2019 بالمثل، كما هو الحال مع صحن الأكل الصحي بجامعة هارفارد، بينما تؤكد البرازيل على الأطعمة «بشكل أساسي من أصل نباتي». وتؤكد هذه الإرشادات وغيرها على أهمية الحد من الأطعمة المصنعة والمعالجة الفائقة، يوجد أيضًا إجماع من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وجهات أخرى على أن النظم الغذائية النباتية أكثر استدامة، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع مدخلات الطاقة والضرر البيئي للماشية.
محلياً، قد لا نحتاج إلى كثير من الدراسات عن صحة الغذاء النباتي، فالأمراض المزمنة تصيب القطط والكلاب أكثر من غيرها من الحيوانات، والسبب أنهم يتغذون على مخلفات غذاء الإنسان، بينما تقل الإصابة بالأمراض المزمنة بين قطعان الماشية والجمال، والجمل بالمناسبة يعتبر من أقل الحيوانات إصابة بأمراض الإنسان المزمنة، والسبب أنها تتغذى على النباتات البرية وتتجول في الصحراء، فخذوا الغذاء الصحي من جمالِكم.