فوزية الجار الله
لعل أجمل ما تجده عبر الاستغراق في القراءة هو إثارة الأفكار وبالتالي سيلٌ متدفقٌ ما بين الملاحظات والأسئلة، بعضها عابر وآخر دائمٌ صامد..
في قصة «البرتومورافيا» المترجَمَة ذكر المترجم على لسان بطلة القصة بأن أسرتها الثرية نبيلة الأصل تمتلك إقطاعيات على اتساع محافظة بأكملها وقد أطلقت على تلك المنطقة اسم «الصعيد» حيث تقول: (لن يجدوا صعيداً أعمق من صعيدي إن صعيدي هو أقصى الصعيد).. وبما أن القصة أو الرواية التي يحكيها كاتب متمكن محترف تأتي انعكاساً للواقع مهما أغرقت في الخيال، لا بد أن تلامس شيئاً من الواقع، حيث يجد فيها القارئ ملامح لحياة الناس بشكل عام أو كما تبدو عليه في مناطق أو مدن بعينها..
ذكر المترجم مصطلح «أقصى الصعيد»، يكاد يكون من المتعارف عليه مبدئياً أن المقصود بالصعيد هو « صعيد مصر» الذي يتضمن المدن الريفية ويتميز بخصوبة الأرض ويتميز السكان هناك غالباً بالطيبة والعفوية..
القصة وردت باللغة الإيطالية، فهل لجأ المترجم إلى هذه التسمية وكان يقصد بها الريف الإيطالي وقد استخدم المصطلح ذاته للإشارة إلى أن المنطقة المقصودة مشابهة لصعيد مصر.. ثم هل من المتعارف عليه أن يتخذ الأغنياء من الريف سكناً لهم سواء كان ذلك على مستوى العالم أو في دولة إيطاليا بشكل خاص، أم أن ذلك ورد مصادفة خلال القصة، سؤال آخر: لماذا سميت المناطق الريفية في مصر بالصعيد؟ وهل ينطبق ذلك على كافة المناطق الريفية في أنحاء العالم؟
إذا عدنا إلى معجم لسان العرب بحثاً عن كلمة «صعيد» نجد باختصار ما يلي:-
صعد: صَعِدَ المكان وفيه صعوداً وأصْعَدَ وصَعَدَ:
ارتقى مُشْرِفاً. وجَبَلٌ مُصَعّد: مرتفعٌ عالٍ.. والصعود: الطريقُ صاعداً، مؤنثَة والجمع أَصعِدةٌ وصُعُدٌ، والصَّعوداء، ممدود: العقبة الشاقة.
وأكمة صَعودٌ وذاتَ صعْداء: يشتدُّ صعودها على الراقي، قال (أحدهم):
وإنَّ سياسَةَ الأَقْوامِ، فاعْلَم،
لهَا صَعْداءُ، مطْلَعُها طويلُ
والصَّعود: المشقة على المثل، وفي التنزيل: سأُرهِقُهُ صَعُوداَ، أي على مشقة من العذاب..
وأَصعَدَ في الأرض أو الوادي لا غير: ذهب من حيث يجيء السيل ولم يذهب إلى أسفل الوادي، وقد أنشدَ سيبويه:
فإمَّا ترَيْني اليومَ مُزجي مطيتي
أُصَعِّدُ سَيْراَ في البلادِ وأُفْرِعُ
والصعيد: المرتفع من الأرض، وقيل: الأرض الطيبة، وقيل: هو كل تراب طيب. وفي التنزيل: فتيمموا صعيداً طيباً.. وقال الفرَّاء: الصعيد التراب.
والصعدة: القناة، وقيل القناة المستوية تنبتُ كذلك لا تحتاج إلى التثقيف، قال شاعر يصف امرأة شبهَ قدَّها بالقناة:
فإذا قامتْ إلى جاراتها
لاحت الساقُ بخلخالٍ زَجِلْ
صَعْدَةٌ نابتَةٌ في حائرٍ
أَيْنَما الريحُ تُميِّلُها تَمِلْ
هذا غيض من فيض مما ورد حول هذه المفردة، فيا للعظمة والثراء والجمال لهذه اللغة العربية الخالدة، المجيدة التي نباهي بها.