د. حسن بن فهد الهويمل
قد لا يتهيأ لك اختيار خصومك, ومن ثم تُبتلى بمتبلد فاقد للإحساس, ألج من خنفساء, يستنزف: جهدك, ووقتك, ولا تستطيع زحزحته عن موقفه قيد أنملة.
ولقد قال المجربون :- (عَدوٌ عاقلٌ, أفْضَلُ مِنْ صَدِيقٍ جاهلٍ).
فكيف بالأمر إذا أصبح العدو جاهلاً, وألدَّ الخصام.
العدو يكون على مستوى الأفراد, والجماعات, والدول. ويكون مَنْشأُ العداوة: تعارض المصالح, أو تناقض العقائد, أو تنازع الزعامات.
وحين تنشأ العداوة, تنشأ على هوامشها طفيليات, تستفيد منها, فتسعى لتعميقها, وتوسيع رقعتها, حتى يفاجأ الطرفان باتساع هوة الخلاف, وتنوعه, وامتداده لجوانب ليست طرفاً فيه.
قدر (العالم الثالث) أنه ظل, وما زال سوحاً للتنازع بين فرقائه, وبينه, وبين قوى الاستكبار. وهو مجال لتصريف السلاح, وتصفية الحسابات. وإجراء التجارب على جديد السلاح.
الحربان العالميتان لقنتا (الشرق) و(الغرب) درساً قاسياً, تستحيل معه المواجهة العسكرية مرة ثالثة, ومن ثم لا بد من وسيط غبي, يزهق نفسه, ويهدم بيته, ويشرد أهله, ويشيع العداوة, والبغضاء بين مختلف أطيافه.
ولأن التنازعَ على المصالح, ومناطق النفوذ قائمان ما أقام (عسيب). فإن الفتن تتناسل هي الأخرى, كلما خبت فتنة, زيدت أخرى سعيراً.
ولعلنا نذكر (حروب الخليج), ومن قبلها (الحرب الأفغانية), التي سقط في ظلها (الاتحاد السوفييتي), وخلَّفت وراءها فتناً لا حصر لها, من بينها: (الإرهاب), و(الطائفيات), و(التطرف الديني), و(الربيع العربي) المشؤوم.
لقد مارس (الغرب) الشحن العاطفي الديني, وحشد لهذه الحرب شباب العالم الإسلامي المتحمس للعقيدة, والحرية, فكان أن مزق (الاتحاد السوفييتي) شرَّ ممزق, ولما أخذ الغرب المكاسب ورحل, عاد شباب العالم الإسلامي إلى ديارهم, لإفراغ تلك الشحنات, فكان الإرهاب على أشده.
إنها حقائق يخفيها اللاعب الأكبر, ويجهلها, أو يتجاهلها الذين يتجرعون مراراتها.
وكلما كانت المقدمات خاطئة, كانت النتائج خاطئة, وبقدر خطورة المقدمات, تكون خطورة النتائج.
لقد ظل (الإعلام العربي) المُسَيَّر بالأهواء, يكرس مفهومات خاطئة, تؤكد دعوى اللاعب الأكبر, بأن الإسلام هو مصدر الإرهاب, بل (أهل السنة, والجماعة) هم وحدهم من بين الفرق الإسلامية من يصنعون الإرهاب.
ولهذا جند الغربُ (الروافضَ) المجوس, و(التصوفَ) الخرافي القبوري لمواجهتهم: عسكرياً, وإعلامياً.
ولأن (المملكة العربية السعودية) هي زعيمة أهل السنة, والجماعة, فقد نالها من الإيذاء العسكري, والإعلامي ما الله به عليم: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}. إنه الابتلاء, والتمحيص: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون}.
ليس مستبعداً, ولا مستغرباً أن يكون مخالفك ذكياً زكياً, أو ذكياً غير زكي, أو غبياً متذاكياً. فالمخالف لا يكون وضيعاً بالضرورة, وحتى لو رأيت فيه ذلك, فإنه يبادلك الرؤية. وتكونان معاً على غير صواب.
العدل, والإنصاف يقتضيان إمساك الألسن, والجوارح, وأطر الحوار بحيث يكون حضارياً, يبحث عن الحق, ولا يهتم بالانتصار. وبخاصة حين يكون الاختلاف فكرياً, أو معرفياً.
أما حين يكون عسكرياً, فالأمر مختلف جداً.
في المواجهات الفكرية, والإعلامية يكون اختلاف يصحبه احترام, وإنصاف. وهذا يكون بين العلماء العقلاء الأزكياء الذين يبحثون عن الحق, ولا يعنيهم أن يجريه الله على أيديهم, أو على أيدي مخالفيهم. وهذا هو الاختلاف المحمود, والمطلوب, لأنه يحرِّر المسائل, ويؤصِّل المعارف, ويعمِّق الوعي, ويشيع الكلمة الطيبة.
وهناك اختلاف يستبطن العداوة, والإقصاء, والأثرة وهذا لا يؤدي إلى تعميق المعارف, والرشد, والاستقامة على المأمور.
واقع الأمة العربية لا يحتمل مزيداً من اللجاجات. ومتى قَدِرَ الفرقاءُ على تطويق الاختلاف, والالتقاء على كلمة سواء, ضيّقوا الخناق على الأعداء التاريخيين الذين ينطوون على عداوات في الدين, وعداوات في العنصر:
كُلُّ العَدَاواتِ قد تُرْجَى إمَاتَتُها
إلا عَداوةُ مَنْ عَادَاكَ فِي الدِّينِ