د. عبد الرحمن الشبيلي
لم يسمح الخاطر بأن يفصلهما طوال فصل الصيف الممل هذا العام دون أن يلتقيا؛ فانعقد لقاؤهما القصير في مطار القصيم بسبب تأخُّر القدوم، وكأن الله قدره لقاءً وداعيًّا بين قلبين، جمعتهما المحبة الصافية منذ الصغر، وعززها تماثُل سنوات العمر، والقرابة الأسرية، وزمالة العمل، وصلة أخوية ودودة عامرة بالاحترام المتبادل، وتوجتها صداقة عمرية مستمرة، لم تدنسها شوائب مصلحة الذات ومنفعة المادة.
عاش البساطة على أتمها في كل أسلوب حياته، وأبلغ صورها، دون بهرجة أو تزييف، في هندامه ومأكله ومشربه ومسكنه وتنقلاته، وفي صدر مجلسه يتربع في (وجار) قهوته، يصنعها على عينه لضيوفه؛ ليمضي ضحاه في استقبال محبيه، ثم مساءه في ارتياد مجلس العائلة حيث يتخذ من أدناه مكانًا له، ولا يشارك إلا بالقدر المعبّر الذي يعنيه من حديث الحضور، مع أنه يدرك بحواسه كل ما يدور.
حتى إذا ما اقترب موعد الصلوات بادر إلى مسجده الذي أقامه في ركن مزرعته؛ ليكون في ميسور الجيران والمارين مشاركته الأجر فيه، فيقضي ما قبل الوقت وما بعده في التلاوة والاستغفار.
وهو في سمته ووداعته وحياته المستقرة هذه لم يتطلع إلى ارتقاء سلم لا يطوله، أو إلى ارتداء ثوب ليس في مقاسه، ولم يركن إلى تاريخ أبيه وجده اللذين ورثا إمارة عنيزة بذكر حسن، ولا إلى نسب والدته وزوجه، أو إلى مكانة وظيفية سابقة، مع أن عديدين من أمثاله قد يعيشون على مجدهم الأسري أو الوظيفي، ويظلون يقتاتون عليه، ويمتحون من معين وجاهته، ويمضون أعمارهم يذكّرون به، ويستعيدونه، أو يتسلقون عليه والعياذ بالله.
أعطاه الله بسطة في الخلق، جعلته يستوعب مشكلات أسرته الكبيرة، ويتفاعل معها، ويؤدي ما عليه من واجب المشاركة في شؤونها ومناسباتها، دون منافسة مَن يكبره ويتقدَّم عليه. أما في محيط أسرته الصغيرة فكان غيمة ممطرة شاملة، يظللها بالحب والعطف والعطاء الوجداني والتوجيه الأبوي؛ فبادلوه بالحنان والرعاية والرفقة الكريمة في كهولته.
ما أجمل الوفاء يشيع بين أفراد العائلة الواحدة، وفي المملكة الصغيرة، وبين أفراد المجتمع، كبيرهم وصغيرهم، أميرهم ومأموريهم.
وبعد:
إن غاب اليوم أبو خالد عن أسرته فسيظل حاضرًا مذكورًا بالخير من الجميع، وسيبقى مناط الدعاء.. اللهم ارزقه رحمتك، واشمله بواسع مغفرتك.