د. محمد عبدالله العوين
تنقّلت مكتبتي الناشئة التي أخذت تكبر وتتضخّم مع الأيام أربع مرات؛ الأولى من بيت الوالد - رحمه الله - في مدينة حوطة بني تميم إلى سكن الجامعة، ثم إلى بيت العزوبية المشترك مع ثلاثة من أبناء العمومة في حي البكر قريباً من طريق الحجاز القديم غير بعيد من دوار شارع سلام والأعشى، والثالثة إلى منزلي القديم في حي شبرا، ثم الرابعة إلى منزلي الجديد في حي عرقة.
دعوت الله بالعون لمن لديهم مكتبة في منزلهم، دعوت الله لمن ابتلي بمطاردة الكتب وملاحقتها من زنقة إلى زنقة ومن مدينة إلى أخرى، دعوت لهم بالعون من الله؛ فقد كانت مهمة نقل المكتبة من البيت القديم إلى الجديد أثقل ما علينا؛ بل ربما كانت أشق مفردات الانتقال؛ بدأت بشراء أكثر من 600 كرتون ثم بدأ عمال في تخزين الكتب فيها، ثم نقلوها إلى ثلاث سيارات (ديانا) طويلة، ولأن مكان المكتبة الجديدة في الدور الثالث ومن المتعذّر نقل كل هذه الكميات الكبيرة من الكتب عن طريق الدرج كان لا بد من الاستعانة برافعة طويلة إلى الدور الثالث، ثم بدأت مهمتي وحدي، حيث لا يعلم مكان كل كتاب حسب نوعه وتصنيفه وإلى أي فن أو علم يمكن أن يُوضع فيه إلا صاحبها، ولذلك انقطعت عن العالم الخارجي أسبوعين كاملين أقتنص ساعات الفراغ من العمل لأعيش بين أحبائي وأصدقائي الباحثين والمبدعين الشعراء والروائيين والنقاد والمفكرين ست عشرة ساعة في اليوم إذا كان خالياً من واجب عملي.
وبدأت الذاكرة تعرض أمامي كشاشة السينما مشاهد مكتبات الأدباء والمثقفين الذين زرتهم في مكتباتهم وجلست معهم ساعات طوالاً بين خمائلها الغنَّاء ولدي لقطات عدة لكثيرين منهم في الرياض وجدة والدمام والقاهرة ودمشق وغيرها؛ فهذه مكتبة عبد الله بن إدريس غنية متنوِّعة ممتدة، وتلك مكتبة أستاذي محمد بن سعد بن حسين، ومكتبة منصور الحازمي، وعبد الله بن خميس، وعزيز ضياء، ويحيى حقي، وسامي خشبة، وأبي عبد الرحمن بن عقيل، وعبد العزيز الرفاعي، ومحمد الحمدان، والمؤرِّخ الكويتي خالد سعود الزيد، وغيرهم كثيرون.
ولئن كانت تلك الذكريات الحميمة ترف كأغنيات العصافير وتوقع كحبات المطر وتعزف كسمفونيات ليال فرحة هانئة؛ فإن أكثرها قرباً والتصاقاً وشجواً وبوحاً عميقاً خارج النص وبعيداً عن غاية اللقاء للإذاعة ذلك اللقاء مع المترجم والكاتب الصحفي سامي خشبة ابن المسرحي الكبير الناقد دريني خشبة في مكتبته المزدحمة المتراصة بشقة غير واسعة في القاهرة؛ لكنها اتسعت برحابة روحه وثراء معارفه وتدفق عفويته الجميلة، وذلك اللقاء الثري الجميل في مكتبة أبي عبد الرحمن بن عقيل في بيته القديم بغبيرا في ضحى يوم خميس غير عادي من عام 1402هـ وقد نشر اللقاء على جزأين في بصحيفة (المسائية) المحتجبة، وكان أبو عبد الرحمن الشخصية الأدبية والفنية القديمة قبل تحوّلاته الأخيرة وتقدّمه في السن - متعه0 الله بالصحة والعافية... يتبع