د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي
المملكة العربية السعودية حباها الله تعالى بالكثير من الثروات، ومنحها الاستقرار المالي والاقتصادي والقدرات الاستثمارية العالية، وهذا جعل رأس المال الوطني يشارك بالاستثمار في كثير من دول العالم، ويدعم ويعزز اقتصادات تلك الدول لعقود من الزمن. وقد شهدت لوائح وقوانين ونظم الاستثمار في المملكة تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وقامت الهيئة العامة لللاستثمار بتطوير البيئة الاستثمارية وتعزيزها بكل وسائل الجذب والاستقطاب والحوافز التي أسهمت في تنافس الشركات العالمية وتدافعها للاستثمار في المملكة العربية السعودية والدخول في مجالات وقطاعات حديثة تسهم في تطوير المحتوى المحلي وذات عائدات مغرية لتلك الشركات، عطفاً على الميزات التسويقية التي تتمتع بها المملكة إقليمياً ودولياً. هذه النقلة الاستثمارية، والسياسات التشجيعية، والبيئة الجاذبة، والعائدات المغرية، كفيلة بلفت انتباه رأس المال الوطني، وحث رجال الأعمال السعوديين للاستثمار داخل الوطن، وأخذ نصيبهم من كعكة الاستثمار التي يتكالب عليها رأس المال الأجنبي بقوة، لعلمه ودرايته الكاملة بمزايا الاستثمار ومحفزاته ونتائجه على المدى المتوسط والبعيد.
ولا شك أن اقتصاد المملكة هو شريان اقتصاد المنطقة، حيث تمثل السعودية رقماً مهماً وصعباً ضمن الاقتصادات العشرين الأكبر على مستوى العالم، والأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما تحتل السعودية المركز 22 ضمن 185 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة أداء الأعمال، وهي أكبر سوق اقتصادي حر في الشرق الأوسط، حيث تحوز على أكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي القومي العربي، فضلاً عن امتلاكها أكبر احتياطي نفطي في العالم. ومن ميزات الاستثمار التي سال لها لعاب الشركات العالمية العملاقة الساعية للاستثمار في مختلف القطاعات، توفر الطاقة للمشاريع الاستثمارية بأقل الأسعار في العالم، باعتبارها وجهة مثالية للمشاريع الاستثمارية.
كما أن السوق السعودي يتمتع بالقوة الشرائية العالية والتوسع والتطور المستمر والاتصال المباشر بالأسواق الاقليمية والعالمية ، بالاضافة إلى ميزة سرعة النمو الاقتصادي، واستقرار العملة الوطنية، مما يسهل عملية تحويل الأموال ونقلها دون تعرضها لمخاطر أو أزمات مالية. وبناءً على تلك الميزات والحوافز والتسهيلات والنتائج المبهرة للاستثمار في المملكة فإن رأس المال الوطني هو الأولى من غيره، وهو صاحب الحق الأول في العائدات المجزية المبنية على تلك التسهيلات، كما أن الاستثمار داخل الوطن يحمي رأس المال من مخاطر الأزمات المالية التي تعصف برؤوس الأموال المهاجرة في كثير من أنحاء العالم عند حدوث الهزات المالية العالمية أو أي مخاطر انهيار اقتصادات أو استثمارات.
ورجال الأعمال الوطنيون يدركون ببصيرتهم أن الاستثمار الداخلي يسهم في إيجاد التنافس الذي يعزز قدرات الاقتصاد الوطني وينشط رأس المال ويمنحه الشجاعة لاقتحام قطاعات حديثة ومتنوعة (صناعي، تجاري، عقاري، سياحي، وغيره) ويخلق المزيد من الوظائف ويسهم في توطين الكثير من الصناعات مما يدعم أهداف الرؤية السعودية 2030 ويجسد مضامينها على أرض الواقع، لأن الرؤية الثاقبة قد استصحبت كل المستجدات، وواكبت احتياجات العصر ومتطلباته، ووضعت الحلول المناسبة لجذب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على حد سواء بأفضل الميزات والحوافز والبيئة الاستثمارية الجاذبة. الآن يمكننا القول بكل ثقة، إنه حان الأوان لأن يسارع رأس المال الوطني، للاستثمار في المشاريع المتنوعة في مختلف القطاعات في المملكة، والاستفادة من التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الدولة للمستثمرين، وخوض غمار التنافس مع الشركات الأجنبية والدخول بقوة في المشاريع الاستراتيجية التي تفضل الدولة توطين العمل فيها، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار فيها، لما في ذلك من فوائد وطنية كبيرة حاضراً ومستقبلاً ولما فيها من دعم حقيقي للاقتصاد الوطني وخدمة المواطن السعودي في المقام الأول، وهذا يدخل ضمن أهداف القطاع الخاص ودوره في المسئولية الاجتماعية، والإسهام في التنمية المستدامة.