د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
وأما الفصل الثاني فعالج فيه منزلة الحرف الطرازيّة ضمن نظريّة أقسام الكلم التراثيّة وبدأ بمدخل نظريّ وقفنا فيه على منزلة المبادئ العرفانيّة ضمن النظريّات اللسانيّة وعلى تعديل فرضيّة استقلال البنية اللغويّة، وإعادة صياغتها، ثم على إعادة النظر في فرضيّتي اعتباطيّة العلاقة بين الدالّ والمدلول، والفصل بين النحو والدلالة، ثم وقفنا على الأسس النظريّة العرفانيّة في نظريّة الطراز (prototype)، وعلى سيادة التصوّر الأرسطيّ وهو منوال الشروط الضرورية والكافية وأوضح أمر التصنيف بين التصوّرين الأرسطيّ والعرفانيّ؛ فالحديث عن التصنيف في منوال الشروط الضروريّة والكافية والتصنيف في المنوال الطرازيّ وفرضيّات التصنيف المقوليّ فيه. وانتهى إلى بيان الفرضيّات المُعتمدة في دراسته.
وعالج في هذا الفصل أيضًا القسمة الثلاثية للكلم مبيِّنًا موقف القدماء والمحدثين من ضبط حدود الحرف ضمنها، فوقف على مواقف القدماء ومنهم أحمد ابن فارس، وأبو عليّ الفارسيّ والبطليوسيّ، وأما المحدثون فمنهم إبراهيم أنيس، وتمّام حسّان في كتابيه (مناهج البحث في اللغة)، (اللغة العربيّة معناها ومبناها)، وعبد الرحمن أيوب، ثم فاضل الساقي.
وعالج في هذا الفصل أيضًا الحرف وعلاقته بالاسم والفعل في التفكير النحويّ العربيّ في ضوء منوال الطراز فبين علاقة الحرف بالاسم وتأثيره فيه ممثِّلًا بـ(كلا وكلتا) وشبههما بالحرف، وبالبناء في الموصولات وتفاوت أفرادها بين الحرفيّة والاسميّة، ومثّل بـ(أيّ) ومشابهتها الحرف وبالرتبة الطرازيّة في اقتراب الموصولات من الحرف، وعرض لقضية بناء الظروف بين الحرفيّة والاسميّة، فبين الظروف التي يكون البناء فيها عارضًا ومنزلتها بين الحرفيّة والاسميّة ممثِّلًا بـ(حيثُ). ومنزلتها بين الحرفيّة والاسميّة.
وعالج علاقة الحرف بالفعل وتأثيره فيه مبينًا أصناف الفعل الثلاثة ومدى اقترابها من الحرف وابتعادها عنه، وكذلك مساوقة الأفعال الحروف ومتابعتها إياها بالشبه المفضي إلى انتقالها من التصرّف إلى الجمود ممثِّلًا بفعل التعجّب وعلاقته بالحرف، وبفعلي المدح والذمّ ومظاهر الحرفيّة فيهما، وبعسى، وليس، ومنزلتهما الطرازيّة بين الحرفيّة والفعليّة.
وأما الفصل الثالث فعالج فيه المظاهر الطرازيّة المسيّرة لعلاقة الحروف بعضها ببعض في ضوء منوال محمد صلاح الدين الشريف، فبدأ بشرح منواله، وبيان منزلة الحرف فيه، ثمّ فصل منطلقاته المعرفيّة التي انتظمتْ في حدودها أطروحته، ومبادئه النظريّة التي تصوّر بها اللغة، وخلص إلى ما انتهى إليه مشروع محمد صلاح الدين الشريف وهو البنية الحدثيّة أي الحدث والمحدث المناظر للمسند والمسند إليه عند القدماء.
ويمضي الباحث في نحو تفصيلي للمظهر الطرازي لثلاثة أحرف هي في اصطلاح القدماء أمّات أبواب، بدأ بالمظهر الطرازيّ لـ(الواو) في وسمها المحلّ الواويّ في حدود علاقتها بواسمات العطف، ثم فصّل المظهر الطرازيّ لـ(إنْ) الشرطيّة في وسمها المحلّ الإنشائيّ في حدود علاقتها بواسمات الشرط مبينًا واسمات معنى الشرط الاسميّة وحدود علاقتها الطرازيّة بأمّ الباب، وكذلك الرتبة الطرازيّة بين واسمات معنى الشرط الحرفيّة، وانتهى إلى تفصيل المظهر الطرازيّ للحرف (لا) النافية في وسمها المحلّ الوجوديّ في حدود علاقتها بواسمات النفي، وعالج في هذا الإطار وسم معنى النفي بالحرفين (لم) و(لمّا) وحدود العلاقة بين هذين الحرفين في أداء المعنى، ووسم معنى النفي بالحرفين (لا) و(لن) وحدود العلاقة بين هذين الحرفين في أداء المعنى، ثمَّ النفي بـ(ما، ولا) وحدود العلاقة بينهما في سماتهما الدلاليّة عند وسمهما معنى النفي.
وختم الباحث عمله بأهم النتائج التي انتهى إليها، وهو أمر ما كان ليتحقق لولا ما اتصف به من معرفة عميقة بالتراث عزّزها حسن اتصال باللسانيات الحديثة، وكان زاده في إحكام هذا التضافر جملة من المصادر والمراجع التراثية والحديثة استطاع أن يمتح من خيرها وأن يصطفي ما يحقق غرضه، فكان قارئًا بصيرًا ناقدًا يستقري ويستنتج من غير أن يسرف في نقل النصوص، وليس يتيسر مثل هذا التأليف بين القديم والحديث من غير تنافر أو تشاجر إلا لأولي العزم والفهم من الباحثين أمثال الدكتور معاذ بن سليمان الدخيّل - وفقه الله.