هالة الناصر
لم يعد التعايش وقبول الآخر رفاهية نتفضل بها على الآخرين المختلفين معنا، بل بات ضرورة حتمية يفرضها الواقع وتطور المجتمعات، لضمان السلم وخلق مناخ آمن للبقاء، إن حالة الاستقطاب غير المسبوقة التي يشهدها العالم حاليّاً، جعلت المجتمع الدولي قائماً على صفيح ساخن، لا يكاد يهدأ الصراع في منطقة إلا ويشتعل في أخرى، وكل ذلك مرجعه رغبة العديد من الأطراف في نبذ الآخرين والمختلفين معهم وفرض كلمتهم وسيطرتهم وإقصاء من لا ينضوي تحت لوائهم قولاً أو فعلاً، هذا المناخ الذي يهدد الحضارة التي قضى الإنسان آلاف السنين في بنائها، يجب أن ينتهي بفرض التعايش وخلق حالة من التفهم والوعي بأهمية الاختلاف وضرورته، وطبيعة أن نحيا في مجتمع متنوع قائم على التعددية، فلا سبيل إلى النجاح والخروج مما نحن فيه الآن سوى بفكر التعايش الذي يفرضه المنطق والواقع والدين، ويحفظ لنا التاريخ الكثير من النماذج التي كتبت على نفسها الفشل بسبب فرض الانعزالية على مجتمعها ورفضها الاندماج مع الآخر.. فكلما اعتقدنا أننا قادرون على أن نعيش بأنفسنا، كلما خطونا خطوة نحو النهاية، لنكتشف أنه لا يوجد من يستطيع أن يقيم مجتمعاً مزدهراً بمفرده أو بمنطق واحد أو بمرجعية واحدة، وخطاب التعايش لا يجب أن يوجه إلى مجتمع معيّن أو فئة بعينها دون غيرها وحصر المشكلة فيها، بل يجب أن يوجه إلى كل المجتمع الدولي بتفاصيله وعناصره الصغيرة كل على حده، فلا يكاد يوجد مجتمع في أيّ من بلدان العالم إلا ويعاني من أزمة في التعايش مهما ادعى غير ذلك، صحيح أن هناك دولاً حققت تقدماً كبيراً على طريق قبول الآخر، إلا أن ذلك لا يعني أن نوقف خطاب التعايش أو الترويج له والحديث عنه، بل يجب أن نعي أنه خطاب متجدد ودائم ولا يجب أن ينتهي يوماً.. ولكي ندرك محورية التعايش في الوقت الراهن، لننظر إلى الجماعات المتطرفة التي يقوم فكرها الأساسي على نبذ الجميع ومعاداة العالم برمته، حتى الجماعات التي توافقها الفكر من حيث الجذور أيضاً تكون في دائرة الأعداء لأنهم يختلفون ويتقاتلون على التفاصيل، فيتحولون مع الوقت إلى أشبه ما يكون بحيوانات ضارية انطلقت في غابة، وهو ما لا نريد أن نصل إليه يوماً..!.