د. عبدالرحمن الشلاش
ما الأسباب التي أدت إلى البطء الشديد في الفكر التقليدي، وعدم تقبله التغيير إلا بصعوبة بالغة أو على مضض، وبالتالي تأخر المجتمع في إحداث تغيّرات مطلوبة ولا يعارضها الدين مثل قيادة المرأة للسيارة والسينما وخوض المرأة غمار العمل وغيرها كثير!
تدور تساؤلات عن سلوكيات وحالات لأفراد قاموا في فترات سابقة بتحطيم الكاميرات، ومنع بناتهم من التعليم ثم أصبحت هذه الأمور لديهم من المسلَّمات، تأخروا كثيراً لكنهم لحقوا بالركب، فهل هذا يعني أنهم راجعوا أفكارهم السابقة فوجدوها خاطئة وبالتالي صححوا مفاهيمهم، أم أنهم ضلوا عن الطريق المستقيم فانحرفوا مثل غيرهم من بقية الخلق الذين ينظر إليهم الفكر المتطرف بأنهم منحرفون وفسَّاق ومتآمرون على الدين وأهله؟
الواقع ليس هذا ولا ذاك والسبب أن الفرد في المجتمعات التقليدية غير مستقل بأفكاره ضعيف جداً في فاعليته مع التغيير المحدود في المستوى المحلي فما بالك بفاعليته السلبية مع التحولات الكبرى والتغيّرات الجذرية فهو مكبل ينطلق في وجهات نظره من فكر مجتمعه المحيط به، فهو الذي يشكِّل ثقافته ويحدِّد مساراته ويروّضه ويختزله، ولو انعتق الفرد من هذه الرؤية فسرعان ما يرتد أو ينظر إليه أنه مرتد!
يقول المفكر المغربي محمد سبيلا إن المجتمع العربي يتسم بنوع من العطالة والتثاقل في التطور بسبب قوة وضغط التقاليد التي تعبّر عن مجموعة من الآليات الموضوعة التي تكبّل الفرد وتعوق انعتاقه وتشل فعاليته، وفي المقابل فإنها تزوّده دائماً بطاقة هائلة لمقاومة التغيير.
الثقافة التقليدية كما نلاحظ ثقافة جماعة وليست ثقافة أفراد وبالتالي فإن الفرد في هذا الإطار المحكم ينظر إليها أنها ثقافة أمة، ثقافة تعتبر نفسها نموذجاً ومثالاً، وتعتبر كل تغيير أو تجديد أو تحول بدعة وضلالاً وخروجاً عن إجماع الأمة، ثقافة صهر وانصهار ومراقبة، الضلال لديها فردي والصواب جماعي، ثقافة ترفض التجديد والإبداع وتراه من الضلال والخروج عن جادة الصواب، تكاد الحرية الفردية غريبة في هذا المجتمع، إذ ينتزع فيه من كل فرد حقوق النقاش أو النقد.
من يخرج عن إطار هذا الفكر ويحاول أن يأتي بفكر مخالف ليس للدين وإنما لثقافة التقليد يرمى بكل نقيصة، ويخون ويغرى به السفهاء والجهال من الأتباع، لذلك برزت ظاهرة التصنيف والإقصاء وربما وصلت الأمور إلى ملاحقة المتمردين على الفكر التقليدي من دعاة التنوير والمثقفين ووصفهم بالتغريبيين وتشويه صورهم وإلصاق التهم بهم، والتضييق عليهم، فقوتهم وسطوتهم كبيرة وأتباعهم منتشرون في كل مكان يمنعون أي مخالف لهم من الحصول على الفرص، وقد تصل الأمور للتهجم مما يجعل البعض يغادر للإقامة في بلدان أخرى!
لعل هذه الأسباب كافية لجعل التحول أو التغيّر بطيئا، إذ إن الكثيرين وحتى من يقتنعون بالجديد يظلون يراوحون في أماكنهم بانتظار فتوى أو خطبة منبرية أو تحول من قبل المتنفذين يتيح لهم الإقتداء. هذا الفكر معيق لأي تغيير أو تحول لذلك كان توجه سمو ولي العهد صائباً في رفض التطرف.