أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال (الطنطاوي) قدس الله روحه: ((حسب الحب من البهاء والحسن: أنه يطهر النفوس، ويمحو صورة الرذيلة والحسد، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ويحمل على كريم الطباع، وعظيم الشمائل.. لقد طهرها حبه، وصهر ماضيها الملوث؛ فأحاله بنار الهوى جوهراً خالصاً، ورفعه من الحضيض الضيق الذي كانت تتقلب في ظلماته إلى سماء عالية رحيبة؛ وليس كالحب (إذا لم يكن في حرام) مطهراً للنفوس، ومصلحاً للأمم، وحافزاً للفضيلة))؛ فالحب عاطفة خيرة، وحب الجمال حسسنا ومعنى: نازعٌ إلى البراءة والطهر.. قال الشيخ أبو عبد الرحمن الظاهري [هذا من كلام الشيخ (الطنطاوي)؛ وهو نقلٌ أمينٌ لكلامي]: ((لا أنكر ما يبعثه (الحب) من الأريحية، وصقل النفس؛ والمحبون أخف عباد الله نفوساً [لا يزال ينقل كلامي بأمانة] وألينهم حديثاً، وأعذبهم نبرة، وأصفاهم عشرة، وآنسهم مجلساً))؛ ويتسع الحب في كتابات الشيخ حتى يغدو مالئ الدنيا، وشاغل الناس؛ ويضيق عالم (الحب) حتى يتقوقع في حدود (الأنا).. قال عن امرأةٍ تعيش مع من تحب: ((إنها في جنة الحب؛ لأن الدنيا على سعتها أضيق من هذا العيش الذي تعيش فيه مع من تحب)).. ووصف (الحب) حين يختبئ وراء النظرة والهمسة، والرعشة، والبسمة المومضة من الثغر الجميل، ثم يقوى.. حتى أنه ليفعل بالدنيا الأفاعيل، وقال: ((الحب أضعف مخلوق وأقواه!!؟.. يختبئ في النظرة الخاطفة من العين الفاتنة، وفي الرجفة الخفيفة، والأغنية الشجية، والبسمة المومضة من الثغر الجميل؛ ثم يظهر للوجود عظيماً جباراً، فيبني الحياة ويهدمها، ويقيم العروش ويثلها، ويفعل في الدنيا الأفاعيل ((.. قال أبو عبدالرحمن: كل ما مضى نقلٌ من أستاذي (الطنطاوي) رحمه الله تعالى لكلامي عن مذهبي في (الحب) بأمانةٍ؛ ثم قال معقباً: ((كيف كتب لنفسه هذا الخلود الفاعل في ظل وجود الذين لا يؤمنون إلا بما هو مادي صرف؛ وهذا ما جعل العقل يستشكل حقيقته الروحية التي صورها أساطين العشاق.. ثم قال: ((وقال أبو عبدالرحمن ابن عقيل: الحب أحجية الوجود.. ليس في الناس من لم يعرف الحب، وليس فيهم من عرف ما هو الحب؟!!.. الحب مشكلة العقل التي لا تحل؛ ولكنه حقيقة القلب الكبرى؛.. والحب بعد إشراقةٌ للنفس؛ وحياة للروح؛ فمن لم يحب فليس من الأحياء في شيءٍ؛ وإن كان حيّاً في جسده، وإن كان متحركاً ببدنه)).. ثم قال شيخي (الطنطاوي) بعد نقله كل كلامي مصوراً معلقاً على بعض ما مضى: ((حالة رجل ماتت زوجته التي يحبها؛ وماتتفي نفسه كل رغبةٍ إلا الرغبة في الموت؛ فماذا بقي له في الحياة بعدما فقد الحب؟)).
قال أبو عبدالرحمن: كنت أحضر جميع دروس شيخي (الطنطاوي) وأنا أدرس منتسباً آخر العام 1390 هجرياً الذي سأمتحن فيه للحصول على البكالوريوس، وكان يرمقني بعين التقدير والإعجاب معاً؛ ومن آراء شيخي (الطنطاوي) رحمه الله تعالى في الحب ما عبر عنه بقوله: ((وما الحب مهما زخرفه الشعراء، وزوقه الأدباء إلا رغبة في الاتصال الجنسي لم تجد طريقها))؛ وذلك في كتابيه (مع الناس), و(قصص من التاريخ) وانظر الكتاب المليح ( قراءةٌ في فلسفة الحب عند الشيخ علي الطنطاوي) لسعادة الأستاذ ( أحمد علي آل مريع) حفظه الله تعالى؛ ونقل عن كتاب (الطنطاوي) (قصصٌ من التاريخ) قوله عن الحب: ((يحجب العقل ويغطيه، ويعمي البصر والبصيرة معاً؛ فتتوارى عن ناظري العاشق كل هنةٍ تتصف بها محبوبته، فلا ترى عيناه غير جمالها، ويروح ينسج من خيالاته الحالمة حولها ثوباً براقاً مشرقاً حتى يحسبها من تهويمات الحب خلقت دون سائر البشر؛ فكأنها خلقت من نور، وخلقوا هم من الطين؛ فلا يطلب غيرها، ولا يهيم بسواها.. ويصيب (الحب) العاشق بنشوة تتضاءل معها قيود الاتزان، فتجعله يهذي بما لا يدري ويتلفظ بما لا يعي، ويأتي ما لا يريد، ويبكي وهو يضحك، ويضحك وهو يبكي.. (الحب) في الوقت نفسه زنبقة الجبل الطاهرة التي تحيل الكون إلى شذا ربيعي، وتحمل الإنسان إلى عوالم عزيزة من المثال؛ فتتراءى له الحياة جميلة جذابة مشرقة الأمل، أحلى من الحلم، وأجمل من بلوغ المنى، قال: (( ما كان يدري من قبله (أي الحب) ما اللذة وما الحياة، وما كان يحس أنه يعيش حقاً، وأن له قلباً، وما كان يدرك من قبل الحب: أنها بهاء النهار، ولا فتنة الليل، ولا أنها سحر القمر؛ وكان كل ذلك عنده كالألفاظ بلا معنى؛ يفهم منه ما يفهمه الأعجمي إذا تلوت عليه غزل العرب!!؛ فلما عرف الحب أدرك أن وراء هذه الألفاظ معاني تهز الفؤاد، وتستهوي القلب؛ وكان يمشي في طريق الحياة كما يمشي الرجل في المتحف المظلم؛ فطلع عليه هذا الحب نوراً مشرقاً؛ إذ أراه هذه التحف الفاتنات، وهذه الروائع))؛ فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.