حين كنتُ أدرس بكلية الشريعة كان من أبرز من درسني فيها أستاذ مرتَّب في درسه, سهل في أسلوبه, يعطي المسألة الفقهية حظها من التصوير والتعليق والإملاء على الطلبة, كنتُ أتطلَّع لوقت محاضرته؛ لما فيها من جهد مبذول, ومعلومات جديدة ممزوجة بمسائل معاصرة, فأسلوبه ممتع في التدريس, وما زلت احتفظ بتعاليقه على الأبواب التي درسنا في الروض المربع مع حاشية ابن قاسم, رأيتُ منه التقدير والاحترام, وربما لحقته لأشكره على ما بذله من علم, وربما عرض سؤال فسألته, وربما أحالني بالسؤال إلى أستاذ آخر, كانت محاضرته فيها لذة يؤنس بها, هذا هو الشيخ الدكتور عدلان بن غازي الشمراني -رحمه الله- المولود عام 1375هـ في قرية الصفي من تهامة، حيث قبائل شمران, تخرج في كلية الشريعة عام 1398هـ, وعين معيداً بها؛ لجدارته -رحمه الله-, وحصل على الماجستير في قسم الفقه فيها عام 1403هـ, وكان عنوانها (أثر اختلاف الدين في عقد الزواج وتوابعه), ثم حصل على درجة الدكتوراه عام (1410هـ) وكان عنوانها (بيع العقار وتأجيره في الفقه), أُوفد للتدريس بدولة الإمارات «إمارة رأس الخيمة» لمدة سبع سنوات متفرقة على فترتين, وقد تولى رئاسة قسم الشريعة هناك, مع مشاركات علمية, عاد إلى كلية الشريعة بجامعته جامعة الإمام، واستمر فيها إلى أن أحيل للتقاعد بعد بلوغه السن النظامي عام (1435هـ). أمضى في تدريس الفقه أكثر من ثلث قرن، جعلها الله في ميزان حسناته, وأشرف وناقش عدداً كبيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه, له بحوث منشورة, لحقه مرض الفشل الكلوي في العشر السنوات قبل وفاته, حتى قبضه الله إليه عام 1436هـ، وصلي عليه في جامع الملك خالد بالرياض يوم السبت الموافق 15/1 فرحمه الله رحمة واسعة ورفع درجاته, وجعل ما أصابه خيراً وأجراً له, فقد كان رجلاً بكل ما تعنيه الكلمة, لطيف المعشر, حلو الكلام, طيب النفس, حسن التعامل.
وبعد تخرجي من الكلية يممت وجهي إلى المعهد العالي للقضاء لدراسة الماجستير فكانت هناك مقابلة شخصية قبل الالتحاق به فكان ممن قابلني الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش رحمه الله وسألني عدة أسئلة وكان منها سؤال ما زلت أذكره, وهو: ما كتب أصول الفقه التي بمكتبتك؟ فأجبته بعدة كتب, فتعجب! وحق له فقد ذكرتُ كتاباً هو بعيد عن متناول طلاب الجامعة بل والمتخصصين في غير الأصول, وأجزم أني لم أقرأه في تلك المرحلة ولا التي تليها, لكنه عندي في المكتبة, اجتزتُ المقابلة, ودرَّسنا الشيخ عبدالرحمن -رحمه الله- في فصلين من فصول الماجستير مادة أصول الفقه, ثم منَّ الله علي فأدركتُ زمالة الشيخ بقسم الفقه المقارن واقتربت منه أكثر وناقشت معه بحوثاً تكميلية, رأيت في الشيخ -رحمه الله- هيبة الأستاذ والمعلم مع كثرة الصمت, والتأني وعدم العجلة, وظهور العبادة عليه, وعدم اشتغال بما لا يعنيه, كان مقبلاً على شأنه, قائماً بعمله, ولد -رحمه الله- 1358هـ بالزلفي ثم انتقل منها مع والديه إلى الرياض وعمره ثماني سنوات، واستمر بالرياض إلى أن توفي -رحمه الله-.
كان عضواً في عدد من اللجان العلمية، أذكر لما قدمت لخطابة الجمعة كان عضواً في لجنة المقابلة, وسألني أسئلة في الأصول! -رحمه الله-.
كان -رحمه الله- صادق اللهجة, وفياً عارفاً فضل الله علينا بهذه البلاد المباركة, وكان ناصحاً للطلاب، في إحدى السنوات في بداية الفصل الدراسي توفي أحد الطلاب وكان اسمه مكتوباً في الكشف, فلما مرَّ الشيخ على اسم الطالب قال بعض الطلبة: هذا قد توفي قبل يومين, فترحم عليه الشيخ, فلما جاء الأسبوع المقبل ذكر الشيخ اسم الطالب المتوفى! فتعجب الطلبة ثم قال بعضهم: لقد توفي! فقال الشيخ: سأظل أذكر اسمه طيلة هذا الفصل فلا تتعجبوا حتى نترحم عليه وندعو له فله حق -رحمه الله-.
موقف كبير ومؤثر, فكان -رحمه الله- طيلة الفصل يذكر اسمه عند ذكر أسماء الطلاب ويترحم عليه.
كان أبو عبدالحميد الشيخ الدكتور عبدالرحمن زاهداً ورعاً ولا غرابة في ذلك, فجده هو الشيخ العابد عبدالكريم بن عبدالقوي المعروف بالدرويش, ومن لطيف الفوائد أني سألت الشيخ عبدالرحمن عن جده هل هو معدود من الحنابلة؟ فقال: نعم هو حنبلي. التحق الشيخ بالمعهد العلمي بالرياض وتخرج عام 1379هـ, والتحق بكلية الشريعة وتخرج فيها 1383هـ,وعُيِّن مدرساً بالمعهد العلمي ببلجرشي وكان من طلابه هناك صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور علي الحذيفي إمام الحرم النبوي -حفظه الله-, ثم نُقل الشيخ عبدالرحمن إلى الأحساء, ثم حاول الانتقال إلى الرياض بإلحاح؛ ليدرس الماجستير بالمعهد العالي للقضاء, فتم نقله إلى الرياض رئيساً للمراقبين في كليتي الشريعة واللغة العربية, وعرض عليه أن يتولى إدارة معهد علمي فرفض؛ لأن هدفه إكمال الدراسة, ثم نقل إلى معهد الرياض العلمي فكان يُدرِّس في النهار, ويَدرس بالمساء بالمعهد العالي للقضاء, إذ كانت الدراسة مسائية في ذلك الوقت, وكانت ثلاث سنوات, وكان عميد المعهد هو الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله, وكانت الدفعة التي فيها الشيخ عبدالرحمن هي الدفعة الأولى التي تخرجت من المعهد العالي للقضاء ونال الماجستير فيه عام 1388هـ, وكان في النهار يختبر الطلاب في المعهد العلمي, وفي الليل يُختبر في المعهد العالي للقضاء, وكان بحثه الذي تقدم به عنوانه (المصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية), وأشرف عليه الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله, يقول الشيخ عبدالرحمن رحمه الله: قرأته عليه كاملاً, وبعد نيله الماجستير انتقل من التدريس بالمعهد إلى التدريس بكلية الشريعة.
ثم ذهب الشيخ بعد سنة أو سنتين إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة؛ لأخذ شهادة الدكتوراه, إذ لم تفتح في الجامعات عندنا برنامج الدكتوراه, فسجل موضوعاً عنوانه (الشرائع السابقة ومدى حجيتها في شريعة الإسلام), وكان المشرف في أول الأمر الدكتور ياسين الشاذلي, ثم نُقل الإشراف إلى الدكتور عبدالغني عبدالخالق وهو رئيس قسم الأصول بجامعة الأزهر, علماً بأن الشيخ لم يستفد منها في السلمي الوظيفي؛ لأنه قد عُين أستاذاً مساعداً قبل نيله للدكتوراه على ما هو معروف في تلك الفترة, وقد نال درجة الدكتوراه عام 1398هـ.
وبعد عمر طويل في التعلم والتعليم, وتدريس أجيال من الطلاب, توفي الشيخ عبدالرحمن صباح يوم الأربعاء 19/6/1436هـ, وصلي عليه في جامع الراجحي بالرياض وتم دفنه بمقبرة النسيم, رحمه الله رحمة واسعة.
لما توليتُ إمامة مسجد طيبة بحي الوادي بالرياض كان من جماعة المسجد رجل لا يتخلف عن مكانه في روضة المسجد إلا من مرض أو سفر غالباً, وكان يأتي قبل الأذان في غالب فروض الصلاة, وإذا تأخر المؤذن سمعنا صوته بالأذان, وكان دائم القراءة لكتاب الله, كريم النفس, لين الجانب, ما دللته على باب خير إلا هرع إليه, قلت له مرة, هذا رجل يحتاج إلى المكيفات الضرورية لسكنه, فهو لا يملك قيمتها, فبادر بشرائها له, جرت عليه أمراض عديدة, حتى لربما لزم بيته أسابيع من المرض, أجرى عملية لقلبه, كان صابراً ملازماً للمسجد, وكان والده عبدالعزيز مؤذناً لجامع بلدة الخطامة سنين عدداً، ولما كبر والده ولزم البيت حدد موعداً ليستقبل الزوار, وفي يوم قال لابنه: أغلق الباب فلا زوار سيأتون بعد اليوم! كناية عن قرب وفاته, وفعلاً مات بعدها بساعات, كان صاحبنا رجلاً كريماً محباً للخير مقبلاً عليه فيما أحسبه والله حسيبه, وهو من عامة المسلمين لكنه من أفضلهم عندي صدقاً ونصحاً وبعداً عما لا يعنيه, جاءني خبر وفاته بعد أن أقعده المرض مدة فكدَّر خاطري, وآلم قلبي فما ذكرته إلا دعوت الله له, وقد توفي رحمه الله يوم الأحد 16/8/1440هـ، وصلي عليه يوم الاثنين بخطامة سدير ودفن في مقبرتها, هذا هو الجار العزيز أبو عبدالرحمن حمد بن عبدالعزيز بن عثمان العيسى، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وتجاوز عنه.
كنت في زيارة لمحافظة الزلفي وكنت قاصداً الشيخ الصالح المعمر عبدالله بن عبدالمحسن القشعمي الذي تجاوز المائة بسنوات إذ قد ولد قبل معركة جراب التي كانت في عام 1333هـ, بسنتين تقريباً, سألته عن وقعة السبلة ومكانها بالتحديد، فأخبرني أن الملك عبدالعزيز رحمه الله جاء الزلفي يوم جمعة ورحل يوم الجمعة التي تليها, وأن الملك رحمه الله بذل جهداً كبيراً للإصلاح, لكن قضاء الله سابق, وحكمه نافذ فقضى الله به على الفتنة, سألته عن أول حجة له؟ فقال: عام 1353هـ, قلت له كم كان عمرك؟ قال:21 سنة وبضعة أشهر, قال: غادرنا الزلفي في النصف من ذي القعدة, وكان معنا في الحملة الشيخ القاضي فالح الصغير, ودخلنا مكة ملبين في اليوم السادس من ذي الحجة, وقال حدث تلك السنة حدث عظيم وكنت عليه من الشاهدين، ففي يوم العيد دخلت الحرم لطواف الإفاضة وصادف طوافنا طواف الملك عبدالعزيز, فكان أمامنا وخلفه ابنه الملك سعود، وعند مكان يسميه بعض العوام بالتوبة عند الكعبة انطلق ثلاثة أشخاص يريدون الغدر بالملك عبدالعزيز, وفي يد أحدهم خنجر قاصداً الملك عبدالعزيز, وعندما اقترب من الملك تناوله ابنه الملك سعود، فأصاب الخنجر ذراع الملك سعود، ونجى الله الملك عبدالعزيز من كيد الكائدين، وقتل على الفور اليمني حامل الخنجر، وتم ضبط الاثنين الآخرين, حصل كل هذا أمامي وتغير لون إحرام الملك سعود إلى اللون الأحمر، وتوقف الملك عبدالعزيز وسمعته يقول: أغلقوا الأبواب حتى تم تطهير الحرم من هؤلاء, وفهمنا أن بعض الحجاج ربما يخاف إذا رأى شيئاً لذا أمر بغلق الأبواب مدة يسيرة، فعلاً تم تطهيره على وجه السرعة, وكأن شيئاً لم يكن, وأكثر الناس لا يعلمون بما حدث, وأكمل الملك عبدالعزيز طوافه وأكملنا معه. وفي اليوم التالي ذهبنا للسلام عليه في منى وتهنئته.
كان رحمه الله جيد الذاكرة, مرجعاً يعتمد على مثله, أسمعنا أبياتاً من قصيدة محمد بن عثمان الشاوي وحثه الملك عبدالعزيز رحمه الله في ضم الحجاز, وحدثنا كذلك عن قصة تهدم البئر الذي أرادوا حفره وكيف نجاه الله, بسقوط الزنبيل على رأسه إذ قد غطاه تراب الأرض بأكثر من متر, فنجاه الله بعد ساعات من حفر الناس موضع الهدام, وإخراجه من تحت الأرض, إذا تهدم البئر عليهم ضحى, وأخرجوا من تحت الأرض في الليل, وكانوا ثلاثة, مات ثالثهم.
كان الشيخ رحمه الله خطيباً وإماماً لجامع بلدته الثوير عشرات السنين, ملازماً للمسجد, مقبلاً على الطاعات, وقد حدثني أن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قال له: يا شيخ عبدالله إلى الآن الثوير؟! ما كَبِرَ!! فقلت له: يا شيخ محمد نحن على قد حالنا, لكن بلدتكم خرج من العلماء والوزراء والوجهاء والسفراء والتجار وغيرهم وإلى الآن عنيزة لم تكبر!! ولم تُذكَّر فقال الشيخ محمد بعد ضحكه: لو سكتُ لنجيتُ وسلمتُ.
حقيقة إن المرء ليأنس بالجلوس إليه رحمه الله, ويسعد بلقاه, ويفرح بسماع حديثه, ولذا أعدت عليه الزيارة أكثر من مرة محبة لله, ولأحظى بدعائه, وجميل ألفاظه, وعتيق أخباره, غفر الله له ورحمه وجمعنا به في الفردوس, وقد توفي يوم الأحد السابع والعشرين من شهر الله المحرم هذه السنة(1440هـ).
اعتدتُ الذهاب إلى عودة سدير لقصد الزيارة, وكنت غالباً أقصد أسرة الحمدان لزيارة رأسهم وكبيرهم والمقدم فيهم الشيخ عبدالله وابنه محمداً, فكان الشيخ عبدالله بن حمد بن عبدالله الحمدان المولود عام 1350هـ في عودة سدير قد نشأ على الخير والصلاح منذ صغره, ذهب إلى الرياض للعمل في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله ومكث فترة ثم عاد إلى بلدته وتزوّج من المرأة الصالحة الصابرة لطيفة بنت عبدالعزيز أبوحيمد -رحمهما الله- وأنجبت له بنين وبنات مات بعضهم في صغره ثم أصيبت زوجته بمرض السرطان وتوفيت بعد مدة عام 1400هـ فصبر واحتسب وتزوج بعدها بامرأة صالحة, وقد تولى إمامة المسجد الشمالي بعودة سدير عام 1406 ثم انتقل بعد ذلك إلى إمامة وخطابة جامع عودة سدير, وقد مكث فيه حتى رمضان عام 1412 هجري حيث أصابته جلطة في القلب نقل على إثرها للمستشفى العسكري بالرياض, وأجريت له عملية القلب, وبعدها قدم استقالته من الجامع رغم أن ابنه محمد قد تكفل بأن يخطب عنه وهو (أي والده عبدالله) يصلي الفروض فرفض بشدة وقال: لا يحل لي راتبه, ثم بعدما استقرت حالته الصحية وتحسنت عاد إلى مسجده السابق الشمالي بعودة سدير عام 1415هـ، كان حريصاً على منهج السلف الصالح وطاعة ولاة الأمر, محذراً من الجماعات الحزبية, داعياً للاستقامة على المنهج الصحيح, وكان رحمه الله شديد التعلق بالمسجد والصلاة, وكان حريصاً على الحضور مبكراً للمسجد, فقد كان يحضر قبل الصلاة بربع ساعة, بل كان يحرص على الذهاب للمسجد الشمالي في سنواته الأخيرة قبل الأذان بنصف ساعة وأحياناً بساعة, وكان إذا أذن وهو في البيت لم يتمكن من التركيز في وضوئه لإحساسه بالتأخر في الذهاب للمسجد, وعندما أصبح لا يستطيع الذهاب للمسجد إلا مع ابنه محمد بالسيارة حزن حزناً شديداً, حدثني ابنه قائلاً: كنت ذاهباً أتمشى ووالدي بصحبتي في صباح ذات يوم بالسيارة, وفجأة بكى بكاءً شديداً كالطفل! فقلت: مالك يا أبي ما الذي يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي على شيء من الدنيا بل أبكي على أنني لم أعد أستطع الذهاب للمسجد على قدمي! رحمه الله ما أعلى همته, كان محل التقدير والتوقير والاحترام, وكان على نهج المشايخ الأوائل في لزوم لبس المشلح, وكان سديد الرأي, حازماً, موجهاً, كريماً, ومن كرمه بذل النصيحة للكبار والصغار, كما كان ناصحاً لجماعة مسجده يحدثهم بعد العصر من رياض الصالحين عدا يوم الجمعة, وفِي رمضان يحدثهم بعد العصروقبل صلاة العشاء, وأثناء الراحة في صلاة التهجد, وكان يحث جماعة مسجده على تقوى الله والمحافظة على صلاة الجماعة بين الفينة والأخرى وكان لا يحدثهم إلا إذا لم يكن هناك أحد صلى معهم من غير البلدة, وذلك حفاظاً على خصوصية الأمر, وإكراماً لمشاعر جماعة المسجد, واستمر ناصحاً ومحدثاً في المسجد الشمالي حتى أنهكه المرض وأقعده في شهر ربيع الثاني عام 1427هـ حيث تعب وعانى -رحمه الله- من المرض شهوراً, وقد كان في آخر أيام حياته يدعو الله ألا يؤذي أحداً بقضاء حاجته ثم أتعبه بطنه في آخر أيامه -رحمه الله- وتوفاه الله الساعة الثانية ظهراً يوم الأربعاء التاسع عشر من محرم عام 1428هـ بعد أن أدى صلاتي الظهر والعصر جمعاً بسبب المرض وعمره كان 78 عاماً.. وقد حضرتُ جنازته فكانت جنازة مشهودة, شهدها خلق كثير من سدير والرياض والزلفي والغاط والقصيم وحائل رحمه الله رحمة واسعة, وقد ذكر لابنه محمد قبل تدهور صحته أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-, أسأل الله أن يغفر للشيخ عبدالله ويرحمه ويجزيه خيراً, ويجعل ما أصابه علواً في منزلته في الجنة.
وأختم هذا المقال برجل صالح عاش محمود السيرة, طيب الذكر, منذ رأيته أحببته كان مقعداً على كرسيه حين دخلت عليه, وقد تعافى من وعكة صحية, وقد جاوز عمره قرناً من الزمان فقلت له: اللهم بارك طيب طابت أيامك, فأجاب: أبشرك أني طيب وبنعمة من الله, فقلت ممازحاً: متى نمشي إلى التويم؟ أعني بلدته, فقال: الآن! وقلت له قبل انصرافي يا أبا محمد: تبي من يزوجك؟ فقال: اثنتين فالواحدة لا تكفي!! فقلت: إنك رجل مُلهم الجواب, كلما زرته رأيت فيه العزيمة والصبر والإقبال على الله, كان حلو الابتسامة, جميل المحيا, يتبسط في الحديث مع زائره, توفي -رحمه الله- يوم الأربعاء 10/5/1440هـ، وصلي عليه بجامع البابطين بشمال الرياض, إنه الشيخ عبدالكريم بن محمد العنيِّق الذي لا تمل عينك من النظر إليه, ولا أذنك من الاستماع إلى حديثه, لما منَّ الله عليه من وقار الإسلام وطول العمر فيه, مع العبادة والصلاح, أسأل الله أن يغفر لموتانا وموتى المسلمين.