وَتَظَلُّ الأَيَّامُ مُعَلِّمًا جَيِّدًا لِمَنْ أرادَ، ولَكِنْ هَلْ نَمْلِكُ عُمُرًا كافيًا لِكَيْ نَتَعَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ بِأَنْفُسِنَا؟ أَوْ أَنْ نُخْضِعَ مَواقِفَنَا لِقانُونِ التَّجْرِبَةِ وَالخَطَأ؟ تَحَدَّثَتْ دِراساتٌ عَنْ أُمورٍ نَدِمَ عَلَيْهَا أصْحابُها، فَبَعْدَ سَنَواتٍ اكْتَشَفُوا أنَّهُمْ سَارُوا فِي الطَّريقِ الْخَطَأ، وَدُونَكَ تِلْكَ السُّلوكِيّاتِ الجالِبَةَ لِلنَّدَمِ مُسْتَقْبَلا، فإنْ كَانْتَ حاضِرَةً فِي حَياتِكَ فَتَوَقَّفْ عَنْهَا، أَوْ فَاسْتَعِدّ لِمِساحاتِ نَدَمٍ تَغْزُو حَياتَك وَالأيّامَ.
أَمَرْتُهُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى... فَلَمْ يَسْتبِينُوا الرُّشْدَ إِلَّا ضُحَى الغَدِ
1 - تَضْييعُ العُمْرِ في غَيْرِ نافِعٍ.
لا تُهْدِرِ الوَقْتَ، وَلا تُنْفِقِ المالَ، وَلا تَعْبَثْ بالمبادِئِ؛ كَي تُرْضِيَهُمْ, واحْذَرْ تسوُّلَ حُبِّهِمْ أَوْ إعْجابِهِمْ، أَوْ أنْ تَتَوَقَّفَ حَياتُكَ عَلَى مُحاوَلاتِ كَسْبِ رِضَاهُمْ، أَوْ نَيْل ِ اسْتِحْسانِهمْ. وَالمشْكِلَةُ أَنَّ هَؤلاءِ لَيْسوا عَلَى رَأْيٍ واحِدٍ، كَيْ نُوَجِّهَ الطّاعةَ لَهُ، بَلْ إِنَّ لِكُلِّ واحِدٍ رَأْيًا، فَكَيْفَ سَتُرْضِي الكُلَّ؟
وأَحْيَانًا يَكونُ لأحَدِهِمْ رأيٌ فِي الصَّباحِ، وآخَرُ فِي المساءِ! فَهَلْ ستَرْكُضُ كالمجْنونِ خَلْفَ إرْضائِهِ؟ إِذَنْ؛ اِرْضِ ربَّكَ وسَيَكْفِيكَ. ولا تقلَقْ كَثِيرًا بِشَأْنِ كَيْفَ سيَحْكُمُ عَلَيْكَ الآخَرونَ، أَوْ كَيْفَ يَرَوْنَك؟ فأَنْتَ تَعْلَمُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِكَ، وفي داخِلِ قَلْبِكَ حَقيقَةَ: مَنْ أَنْتَ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِ؟! لا يَجِبُ أَنْ تَكونَ كامِلَ الأوْصافِ؛ لِتحصُلَ عَلَى إعْجابِ الْآخَرِينَ وانْبِهارِهِمْ؛ بَلْ اجْعَلْهُمْ يَنْبَهِرُونَ وَيُعْجَبُونَ بِطَريقَةِ تَغَلُّبِكَ عَلَى نِقاطِ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ فِيكَ، وَكُنْ عَلَى سَجِيَّتِكَ. لَا تَخسَرْ نَفْسَكَ لِتَكْسِبَ النّاسَ.
2 - مُرَافَقَةُ السَّلْبِيِّينَ.
قالوا قديمًا: جَاوِرِ السَّعيدَ تَسْعَدْ؛ وأقولُ: جَاوِرِ الإيجابِيَّ تَكُنْ مِثْلَهُ؛ تَخَلَّصْ مِن الرّفْقَةِ السَّلْبِيَّةِ الَّذِينَ يَسْتَهِينُونَ بِقُدُراتِكَ، وَيَسْرِقونَ آمالَكَ، ويُهَمِّشُونَ قِيمَتَكَ. تخلَّصْ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ يُمَارِسُ دَوْرَ الضَّحيَّةِ، قُلْ (لا!) لكُلِّ شَخْصٍ يُلْقِي عَلَيْكَ بنِفَاياتِهِ الفِكْرِيَّةِ مِنْ تَشَاؤُمٍ ويَأْسٍ فِي يَوْمٍ آتٍ، ولا مَحالةَ! إِنْ لَمْ تَتَّخِذْ إجْراءً فَسَتَرى كَيْفَ أنَّ هَؤلاءِ أَفْسَدُوا حَياتَكَ، بَلْ دَمَّرُوهَا! كَيْفَ عطَّلوك عَنْ تَحقيقِ الآمالِ! وكَيْفَ ضَيَّقوا عَلَيْكَ الحياةَ الرَّحْبَةَ! وكَيْفَ سَطَّحُوا لَكَ الأمورَ؟ وَسَتُدْرِكُ مِنْ داخلِكَ أَنَّ مُصاحَبَةَ السَّلبيِّينَ أَمْرٌ أَنْتَ مَنْ اختارَهُ، وأنَّك قادرٌ عَلَى تَغْييرِ هَذَا الاخْتِيارِ، وأَنَّهُ لَيْسَ التزامًا مَفْروضًا عَلَيْكَ، سَاعتَها سَتَكونُ حُرًّا فِي أَنْ تَنْعَمَ برُفْقَةِ الرِّقَةِ بَدَلاً مِنَ الغَضَبِ، وَالكَرَمِ بَدَلاً مِنَ الطَّمَعِ وَالغِلِّ، وَالصَّبْرِ الجميلِ بَدَلاً مِنَ اليَأْسِ وَالأسَى.
3 - الاهْتِمامُ بالتَوَافِهِ.
اسْتَعادَ شَريطَ ذِكْرَياتِ حَياتِهِ بَعْدَما رَدَّدَ كابْتِنُ الطَّائرةِ: الطّائِرَةُ تَسْقُطُ, الطّائِرَةُ تَسْقُطُ.
اسْتَرْجَعَ الخِلافاتِ الحَمْقَاءَ عَلَى الأُمورِ التَّافِهَةِ، اسْتَرْجَعَ الانْفِعالاتِ الشَّدَيدَةَ عَلَى الْمَواقِفِ العابِرَةِ، اسْتَعادَ التَّفْكيرَ الطَّويلَ عَلَى أمورٍ مَضَتْ؛ مِنَ اليَوْمِ لا تَجْعَلْ صَغائرَ الأُمورِ تُعَطِّلُ حَياتَكَ، أَوْ تَسْتَنْزِفُ طاقَتَكَ؛ وَلَوْ أَنَّنَا تَأَمَّلْنَا فِي حَياتِنَا لَوَجَدْنَا أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي يُعَكِّرُ مِزَاجَنا، وَيَطْرُدُ سَعادَتَنا وَرَاحةَ بالِنا وهَناءَةَ عَيْشِنا هُوَ أَنَّنَا نَهْتَمُّ فِي كَثيرٍ مِنَ الأحْيانِ بأُمورٍ تافِهَةٍ وصَغيرةٍ، ونَنْشَغِلُ بِهَا، وَعَلى سَبيلِ المِثالِ:
- تَتَّصِلُ عَلَى إنْسانٍ عَلَى جَوَّالِهِ عِدَّةَ مراتٍ، وَلا يَرُدُّ عَلَيْكَ، ولا يُعَاوِدَ الاتِّصالَ عَلَيْكَ لاحِقًا.
- شَخْصٌ يَسْتَعيرُ مِنْكَ غَرَضًا ويَنسَى أَنْ يُرْجِعَهُ.
- الْمِلْحُ زائدٌ فِي الطَّعامِ.
- تَدْخُلُ مَحَلا لِتشْتَرِيَ غَرَضًا، لَكِنْ -للأسَفِ- المَحَلُّ لَيْسَ لَدَيْهِ صَرْفٌ لِنُقودِكَ.
- تَلْبَسُ ثَوْبًا نَظيفًا، وتَسْتَعِدُّ لِلْخُروجِ مِنَ المنْزلِ، ويأتي طِفْلُكَ الصَّغيرُ، ويَدُهُ مُتَّسِخَةٌ، ويَجُرُّ ثوبَكَ فَيُلَطِّخَهُ.
- الأُمُّ جالِسَةٌ عَلَى الأكْلِ، وفَجْأَةً ولَدُها الصَّغيرُ يَسْكُبُ الحَليبَ عَلَى السَّجَّادِ.
4 - الاسْتِسْلامُ مُبَكِّرًا.
في لحظةٍ قد تَكْتَشِفُ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَقَّ عَلَى نُقْطَةِ النِّهايَةِ إِلا خُطْوةٌ واحِدَةٌ، ولَكِنْ -لِلأسَفِ- تَكونُ قَد اسْتَسْلَمْتَ وتَوَقَّفْتَ عَنِ المُحاوَلَةِ وَالاجْتِهادِ؛ فضاعَ كُلُّ جُهْدِكَ، سَتَنْدَمُ عَلَى أنَّكَ لَمْ تنهَضْ ثانِيَةً، ولم تُجَرِّبْ مُجَدَّدًا، ولم تَخُضِ التَّجْرِبَةَ مرَّةً أُخْرَى، سَتْنْدَمُ لأَنَّك مَكَّنْتَ اليَأْسَ مِنْكَ، وسَلَّمْتَ نَفْسَكَ لِلْإحْباطِ، سَتَنْدَمُ عِنْدَمَا تُدْرِكُ أَنَّهُ لَا نَجاحَ دُونَ إخْفاقٍ، وأنَّ الاسْتِسْلامَ لَمْ يَكُنْ إِلا اعْتِرافًا بِعَجْزٍ لَيْسَ فيكَ، تَذَكَّرْ أَنَّ خَسارَةَ مَعْرَكَةٍ لاتَعْني خَسارَةَ الحَرْبِ، وإخْفاقَكَ فِي أمْرٍ لا يَعْنِي أَنَّكَ لَمْ تَعُدْ قادِرًا عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْهُ، واسْتَحْضِرْ أَنَّ الإخْفاقَ لَيْسَ عارًا إِذَا بَذَلْتَ جُهْدَك بإخْلاصٍ، وتَذَكَّرْ أنَّ المرْءَ لا يُعَدُّ مُخْفِقًا حَتَّى يَتَقَبَّلَ الهزيمَةَ، وَيَتَخَلَّى عَنِ المحاوَلَةِ، فحَاوِلْ مَرَّةً بَعْدَ مَرّ َةٍ، وأَعِدِ الكَرَّةَ بَعْدَ الكَرَّةِ، وَسَتَصِلُ إِلَى مُبْتَغَاكَ -بِإذْنِ اللهِ.
5 - عَدَمُ مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ وَالاسْتِرْخَاءِ.
الحياةُ مِثْلُ الشَّعْرَةِ، تَشُدُّها بِلِينٍ حَتَّى تُبْقِيَها مَشْدودَةً، مِنْ دُونِ أَنْ تَقْطَعَهَا أَوْ تُرْخِيَها. فِي بَعْضِ الأحْيانِ، سَيَكونُ عَلَيْكَ الاسْتِرخاءُ وَتَرْكُ الحياةِ تَأْخُذُ مَجْرَاها، دونَ قلقٍ مِنْكَ أَوْ تَدَخُّلٍ؛ تَعَلَّمْ مَتَّى تُرْخِي ومتَّى تَشُدُّ. تَنَفَّسْ بعُمْقٍ، ثُمَّ حِينَ يَنْقَشِعُ الغُبَارُ، وَتَسْتَطيعُ رُؤيَةَ مَا أمامَكَ، خُذْ خُطْوةً أُخْرَى لِلأَمامِ؛ لَيْسَ لِزَامًا عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِفَ بدِقَّةٍ إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذاهِبٌ لِكَيْ تَصِلَ إِلَى وِجْهَةٍ عَظيمَةٍ، فَكُلُّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الحياةِ لَهُ حِكْمَةٌ وَهَدَفٌ، سواءً أدركْتَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ تُدْركْهُ بعدُ، فَالأمْرُ بحاجَةٍ لِبَعْضِ الوَقْتِ لِكَيْ تَصِلَ النِّقاطَ مَعًا. (اقْرَأْ خُطْبَةَ ستيف جوبز فِي حَفْلِ تَخَرُّجِ طُلَّابِ جامِعَةِ ستانفورد).
6 - الرِّضَا بِأقَلِّ مَا تَسْتَحِقُّهُ.
كُنْ قَويًّا لِتَتْرُكَ، وحَكيمًا لِتَنْتَظِرَ مَا تَسْتَحِقُّهُ. فِي بَعْضِ الأحْيانِ سَتَجِدُ نَفْسَكَ وَقَدْ هَبَطْتَ لمكانٍ أَدْنَى، لكنَّهُ فيمَا بعدُ يُصْبِحُ مَوْطِئَ قَدَمٍ تَقِفُ عَلَيْهِ فتَصِلَ لدَرَجةٍ أَعْلَى. فِي بَعْضِ الأوْقاتِ سَتَحْتاجُ لِغَسْلِ عَيْنَيْكَ بالدُّموعِ؛ لِكَيْ تَرى مَا يُمكِنُكَ فِعْلُهُ وَالوُصولُ إليْهِ؛ فهَذِهِ الدُّموعُ تُساعِدُ عَلَى وُضوحِ الرُّؤيةِ. لَا تَقْنَعْ بأقلِّ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ.
7 - التَّسويفُ وَالتأجيلُ، وكأنَّ رِصيدَك مِن الأيامِ لا يَنْقُصُ!
مُشْكِلَةُ بَنِي البَشَرِ ظنُّهُمْ أَنَّ لَدَيْهِمْ مَا يَكفِي مِن الوَقْتِ لِتَحْقيقِ كُلِّ شيْءٍ، حَتَّى يَأْتيَ يومٌ مُفَاجِئٌ تَكْتَشِفُ فِيهِ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الزَّعْمِ. يَوْمَهَا لَنْ تَجِدَ الوَقْتَ الكافيَ لِتَعملَ مَا تُحِبُّهُ ولَطالَما أَرَدْتَ فِعْلَهُ، وعِنْدَها سَتَصِلُ إلى إحْدى نِهايَتَيْن؛ إمَّا أنَّكَ حَقَقْتَ كُلَّ أهْدافِكَ، أَوْ جَمَعْتَ قائِمَةً مِنَ الأعْذارِ. افْعَلْها الآنَ، وَلا تَنْتَظِرْ قِطارَ العُمُرِ يَمْضِي، وَلا أَحَدٌ يَدْرِي قَدْرَ الوَقودِ المتَبقِّي فيهِ.
8 - الكَسَلُ وَالأَمَلُ الكاذِبُ.
العالمُ لَيْسَ مَدِينًا لَكَ بأيِّ شَيْءٍ ليُقَدِّمَه لَكَ، بَلْ أَنْتَ المدينُ لِهَذا العالَمِ بِأَنْ تُقَدِّمَ لَهُ شَيْئًا مَا. تَوَقَّفْ عَنْ أحْلامِ اليَقَظَةِ، وتَرْجِمْها إِلَى أفْعالٍ وخُطُواتٍ فِعْلِيَّةٍ. اعْمَلْ لأَنْ تَكونَ مِنْ أهْلِ الأفْعالِ لا الآمالِ وَحَسْب. تَحَمَّلْ كامِلَ المسْؤوليَّةِ عَنْكَ وعَنْ مُسْتَقْبَلِكَ، وَكُنْ فِي مَوْقِعِ التَّحَكُّمِ. حيثُ إنَّ اللهَ -عَزَّ وجَلَّ- الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شيءٍ قَدْ خَلَقَكَ، فأَنْتَ ذُو أهميَّةٍ، وَذُو غايَةٍ ونَفْعٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الفانِيَةِ. لا تَجْلِسْ وتَنْتَظرْ أَحَدَهُمْ لِيَفْعَلَ شَيْئًا مَا فِي يَوْمٍ مَا. العالمُ بِحاجَةٍ إليْكَ، اخْرُجْ واتْرُكْ بَصْمَتَكَ وَلا تَتَكاسَلْ أَوْ تَعِشْ حَياةً مِنَ الآمالِ الخاليَةِ مِنَ الأفْعالِ