أَخي المُؤمِنَ: قُصارَى ما يَطْمَحُ إلَيْهِ فُؤادُكُ أنْ تَكونَ سَعيدًا, وإنَّكَ لتَسْعَى جاهِدًا غَيْرَ وانٍ, باذلاً كُلَّ مُرْتَخَصٍ وغالٍ, لا قِبْلَةَ لَكَ إلاّ أنْ تَحْظَى بتِلْكَ السَّعادَةِ المَنْشودَةِ.
وَلَكِنَّكَ تَظلِمُ نَفْسَكَ إنْ عَدَدْتَ السَّعادَةَ فيما يَتَراءَى مِن عُروضِ الحَياةِ, كالغِنَى والجاهِ؛ فهذِهِ العُروضُ الَّتي يَسْتَعْصِي عَلَيْكَ مَنالُها, والَّتي تَحْسَبُ الخَيْرَ أجْمَعَ فيها, رُبَّما كانَت باعِثَةَ الشَّقاءِ ومَدْعاةَ العَذابِ.
وأنتَ فَقَدْ تُجاهِدُ وتُجالِدُ, حتَّى تَبْلُغَ مَأرَبَكَ مِن هَذِهِ العُروضِ, وما هِيَ إلاّ أنْ يَتَجَلَّى لَكَ ما خَفِيَ عَنْكَ, فتَعْرِفَ بَعْدَ لأْيٍ أنَّكَ كُنتَ مَخْدوعًا تَظُنُّ السَّرابَ ماءً, وأنَّ الغِنَى والجاهَ وما إلَيْهِما مِن مَظاهِرِ الحَياةِ إنَّما هُوَ زَيْفٌ زَائِلٌ وزُخرُفٌ باطِلٌ.
ويَوْمَ تَقِفُ على القِمَّةِ بَعْدَ أنْ صَعَدْتَ في السُّلَّمِ الَّذي اسْتَهْواكَ, تَرَى أنَّكَ لمْ تَظْفَرْ مِن جَوْهَرِ السَّعادَةِ بِطائِلٍ, وأنَّ ما حَوْلَكَ مِن غُيومِ الحَياةِ وظُلْماتِها مُطْبِقَةٌ عَلَيْكَ, وأنَّكَ لمْ تَنْكَشِفْ عَنْكَ البَأْساءُ والضُّرُّ!
ولَوْ سَمَتْ نَفْسُكَ إلى أنْ تَسْتَنْكِهَ سِرَّ ذَلِكَ, لعَلِمْتَ على يَقينٍ أنَّ المَظْهَرَ قَدْ غَرَّكَ, فَقَفَوْتَ أثَرَهُ, واسْتَرْسَلْتَ في طَلَبِهِ, فلَمْ تُعْنَ بالمَخبَرِ واللُّبابِ!
أخي المُؤمِنَ: إنَّ للسَّعادَةِ نَبْعًا فَيَّاضًا هُوَ الرُّوحُ؛ فمَن تَنَكَّبَ عَنهُ لمْ يَظْفَرْ بِرَشْفَةٍ مِنهُ, ولَوْ أدَّت إلَيْهِ السَّماءُ بأسْبابٍ, ومَن فَطِنَ لهُ بَلَغَ السَّعادَةَ مِن أقْرَبِ بابٍ!
ولا تَبْلُغُ الرُّوحُ هذا المَبْلَغَ مِن إسْعادِ الإنْسانِ إلاّ إذا تَوافَرَ لها الصَّفاءُ والنَّقاءُ, فإذا هِيَ تَشِفُّ وتَخِفُّ, وإذا هِيَ تَسْمو إلى آفاقٍ عُلوِيَّةٍ تَرَفَّعَتْ عَن الشَّوائِبِ والأدْرانِ!
فهَل لي أنْ أُكاشِفَكَ بما أُسَمِّيهِ (تَجْرُبَةً) أو (وَصْفَةً) تُنِيلُكَ ما تُريدُهُ لروحِكَ مِن صَفاءٍ وتَطَهُّرٍ, حتَّى تَصِلَ إلى شِفاءِ النَّفْسِ وتَتَوافَرَ لَكَ السَّعادَةُ الحَقَّةُ!
لَسْتُ أفْجُؤكَ بما يُرَوِّعُكَ سَماعُهُ, أو يُعْيِيكَ فِهمُهُ, أو يَتَعامَى عَلَيْكَ إنْفاذُهُ!
إنَّها وَسيلَةٌ بالِغَةُ الشُّيوعِ, قَريبَةُ التَّناولِ, بَيْدَ أنَّ النَّاسَ قَلَّما يَلْتَفِتون إلى سرِّها العَظيمِ, وأثَرِها النَّاجِعِ؛ فَهُم لا يَتَّخِذونَها على النَّحْوِ الَّذي يُحَقِّقُ تِلْكَ الغايَةَ الغالِيَةَ!
أَخِي المؤمِنَ: نُصْحِي إلَيْكَ أنْ تَضَعَ مُصْحَفًا فَوْقَ وِسادَتِكَ, لا تَتَّخِذْهُ تَميمَةً مِن التَّمائِمِ, ولا تَعْويذَةً مِن التَّعاويذِ، وإنَّما نَبْعًا فَيَّاضًا تَسْتَقِي مِنهُ لروحِكَ صَفاءً, ولنَفسِكَ شِفاءً!
ليَكُنْ مِن دَأبِكَ في إصْباحِكَ ألّا تَقَعَ عَيْنُكَ أوَّلَ ما تَقَع إلا على هَذا الكِتابِ الخالِدِ, فرَتِّلْ مِنهُ ما تَيَسَّرَ وامْلأْ سَمْعَكَ بتِلْكَ الآياتِ البَيِّناتِ, تُمَتِّعْكَ بسِحْرِ البَيانِ, ورَوْعَةِ الإيقاعِ, واتْرُكْ حِكْمَتَها البالِغَةَ تَسْرِي في وَليجَةِ نَفْسِكَ, فتَفِئ مِن جَوانِبِها ما أظْلَمَ وتَجْلو مِنها ما صَدَى, فإنَّكَ لا تَلْبَثُ أنْ تَحِسَّ روحَكَ انْسَكَبَ عَليْها فَيْضٌ يَكْفُلُ لها الطُّهْرَ ويُثيرُ عَليْها الانْتِعاشَ.
أنْعِمْ بذَلِكَ بِدايةً لنَهارِكَ الوَضَّاحِ!
لتُصْبِحَنَّ وقَدْ شاعَ في أسَاريرِكَ بِشْرٌ, وامْتَلأتْ نَفْسُكَ ثِقَةً, ولَتُقْبِلَنَّ على عَمَلِكَ ناشِطًا في تَيَمُّنٍ وانْشِراحٍ!
وليَكُن كَذَلِكَ مِن دَأبِكَ في لَيْلِكَ أنْ يَكونَ ذَلِكَ المُصْحَفُ آخِرَ ما تَقَعُ عَليْهِ عَيْنُكَ قَبْلَ أنْ تُسَلِّمَ أجْفانَها لمَنامٍ, فرَتِّلْ آيَ القُرآنِ ما وَسِعَكَ أنْ تُرَتِّلَ؛ تَطْهيرًا لنَفْسِكَ مِمَّا عَلِقَ بِها.
** **
- محمود تيمور