فيصل خالد الخديدي
الحياة محطات وفي كل محطة نقابل العديد من الأصدقاء منهم من يستمر معنا لأكثر من محطة ومنهم من يرحل باكراً بعد فترة لقاء لم تطل ولكن يبقى أثره ملازماً للروح حتى نهاية مسيرة الحياة، ومع كل رحيل نفقد شيئاً من ذواتنا بفقد الأصدقاء وترتبك الكلمات وتضيع العبارات في نعي من نحب وقلة هم الذين يتركون ذكراً طيباً في نفوس من عرفهم ويلقون بمحبتهم على قلوب كل من قابلهم، ورحيلهم الأكثر وجعاً وفجعاً ولكنه طريق لا بد من عبوره ولو كثرت عبراته...
قبل أيام فجع الوسط التشكيلي المحلي بفقد أحد فرسانه الذي لم يمهل طويلاً ليحقق شيئاً من حلمه ولكنه رغم قصر المدة كان قريباً من قلب كل من عرفه، ودوداً في تعامله مبتسماً حتى في أحلك الظروف، معطاء بلا حدود، استطاع في وقت قصير أن يكتب اسمه بماء المحبة ونبل الأخلاق وكرم الطباع فاجتهد لغيره كما اجتهد لتطوير نفسه وفنه, فأبدع في اللون وأتقن البورتيريه وصاغ القوالب بخامات متنوّعة وصب فيها من روحه بوسائط مختلفة بين جبس وطين وسيلكون وريزن فأتقن منجزه ودرَّب غيره على كل ما تعلمه وأتقنه، نظّم المعارض والمسابقات بجمعية الثقافة والفنون بجدة وأقام الورش والدورات ومد جسور العلاقات بين رجال الأعمال والمؤسسة الثقافية الذي انتمى لها بكل ما في الانتماء من معنى فكانت بيته الثاني وملاذه الآمن الذي ينشد وكان ولاؤه لها قائماً ودائماً.
رحل الفنان نبيل طاهر سريعاً بشكل مربك للعقل وخارج عن حدود الفهم ولكنها إرادة الله أن يرحل الأنقياء باكراً دونما إنذار مسبق، رحل نبيل الرجل الطاهر في تعاملاته النبيل في أخلاقه وترك محبة واحتراماً قلما يكتسبها أحد إلا من كان يملك مثل قلبه النبيل ومثل روحه الطاهرة.... رحمك الله يا صديقي النبيل الطاهر.. لم تمهلنا لنودعك كما يليق بروحك، غادرتنا ولم نوفك شيئاً من قدرك المستحق، وهو فعل النبلاء يكرمون الجميع ويرحلون دونما انتظار أي رد على كرمهم, ولكنك غادرت لأكرم الأكرمين يجازيك بعفوه ورحمته وكرمه... وإنا على فراق نبيل لمحزونون.