د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في سيرة الإذاعية الأميركية الأشهر: «باربرا والترز 1929م -»الموسومة: (تجربتي مع قادة ومشاهير العالم) - الصادر مترجمًا عام 2010م عن دار الكتاب العربي في 790 صفحة من الحجم الكبير- حكاياتٌ استحقت من صاحبكم العودة إليها مرارًا؛ ربما لأن علاقته بالإعلام الأميركي تزامن مع نجوميتها، وربما لمعرفته بكثير من الرموز الإعلامية الذين زامنوها أو ملأُوا صفحات سيرتها، ومنهم: والتر كرونكايت، وديفيد برينكلي، وهيو داونز، وتوم بروكو، ودان راذر، ومايك والاس، وهاري ريزنر، وتيد كبل، وبيتر جاننغ، وآخرون، وربما لأنها كانت سيرة صريحةً، مباشرةً، قادرةً على عرض أحداثها بما يشبه التجرّد من الأنوية الثقيلة عبر المدح المباشر أو التواضع المُدّعى، وبالتأكيد؛ فمذيعة «المليون دولار» -قبل أكثر من أربعة عقود- تستحق أن تُقرأَ مهنيتُها العالية بعيدًا عن دينها وانتماءاتها؛ فالإعلاميون -في الأعم- لا يستطيعون البراءة من خلفياتهم القومية والدينية.
** سبق له أن كتب عنها مقالين متقاربين من زاويتين مختلفتين عام 2017م، واستوقفته -في قراءته المتجدّدة لسيرتها على منهج: «قراءة كتاب جيد ثلاث مرات أجدى من قراءة ثلاثة كتب غير جيدة»- كلماتٌ قصيرة بعث بها إليها الممثل الكبير «جون وين 1907-1979م «وقت أن اشتدَّ النقد المتحيز ضدها- حيث كتب: «لا تدَعي أولادَ السوء ينالون من عزيمتك»، وقد علَّقت في كتابها: «شعرتُ كما لو أن الفرسان قادمون» ص 433، وإذن؛ فالمعادلة طرفية بين «أولاد السوء والفرسان»؛ إذ تمتلئ حياتنا بالنمطين يتوازنان فيهدأ المتعبون، وتميل كفة الأولِين فيبتئس وقد ييأس المبتلَون.
** ولكن؛ هل يمكن طرح استفهامٍ مباشرٍ بهذه الصيغة الصادمة: لماذا يتضاءل الفرسان وتعزُّ الفروسية؟ وماذا عمّن سيرونه استفهامًا غير علمي لم يتح للنظرية أن تطرح افتراضاتها لاختبار صحته من عدمه؟ وهل قياسُ الذائع كافٍ لاعتناق رأيٍ سلبيٍ؟ وإذا لم يكن فكيف يمكن تمييز الفرسان وتحديد الفروسية وهي سلوكاتٌ مستترةٌ يتعذَّر كشفها بين الأدنين فكيف بالأبعدين؟
** وإذ لا يملك يقينية القطع فسيعود إلى نظريته في «التربة والتربية» موقنًا هذه المرة أن من يُرى «من أولاد السوء» مفرغًا طاقته للشتم واللطم والتجاوز والتنابز فإن خللًا في التربة التي أنبتته أو التربية التي أنشأته مسؤولٌ عن سوءاته وسيئاته، والضدُّ كذلك في ذوي النوايا الخيِّرة والأرواح المضيئة المتجذّرين من تربةٍ طيبة وتربيةٍ متزنة، والكشفُ عنهم في الوسط الرقمي»تحديدًا» لم يعد عسيرًا، واجتنابُهم في العالم الحقيقي ضرورةٌ نفسًا ودرسا.
** يبدو أولادُ السوء - كما وصفتهم والترز - أكثرَ عددًا وأشرس عتادًا؛ فالفرسان لا يقبلون النزال في ساحاتٍ لا تستحق شرفَ الفروسية:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ
طلب الطعنَ وحده والنزالا
** كذا جاء وسمُ المتنبي: «ذي المعالي..» فتخطى زمنه لتبقى المعالي للأعلين فلا بأس إن توهم مكانةً الأشقَون.
** العاقبةُ للخيِّرين.