عبدالعزيز السماري
من الإعجاز في حياة الإنسان أنه يعيش ككائن أبدي، ثم يختفي في لحظات، ولهذا يتصرف بعنفوان وزهو في كثير من فترات حياته، بينما ليس الأمر كذلك، لكنه مع ذلك لا يفقد الأمل أنه قد يعيش استثناءً للأبد، وقد يفسر ذلك كثيرًا من الأنانية والتعجرف الإنساني عند البعض، بينما حياته في حقيقة الأمر لا تتجاوز أربع مراحل..
في المرحلة الأولى، يعتمد الشخص بالكامل في طفولته على تصرفات الآخرين وموافقتهم على السعادة، لكنها تتغير بتجاوزها إلى المرحلة الثانية، حيث يصبح المرء في مراهقته وشبابه يعتمد على نفسه، لكنه لا يزال يعتمد على النجاح الخارجي ليكون سعيدًا مثل كسب المال، أو الأوسمة، أو النصر، وما إلى ذلك، و يمكن التحكم فيها أكثر من الأشخاص الآخرين، لكن لا يزال من غير الممكن التنبؤ بها في الغالب. على المدى الطويل.
في المرحلة الثالثة ما بعد فترة الشباب، تبدأ رحلة التوحيد الكبير لحياة المرء، ويبدأ في الذهاب إلى الأصدقاء، والتخلص من الأنشطة والهوايات التي تعتبر مضيعة للوقت، والخروج من الأحلام القديمة التي من الواضح أنها لن تتحقق في أي وقت قريب.
بينما يصل الناس إلى المرحلة الرابعة بعد أن أمضوا ما يقرب من نصف قرن، استثمروا فيه ما يعتقدون أنه ذو مغزى وهام، وربما فعلوا أشياء عظيمة، وعملوا بجد وكسبوا كل ما لديهم، وربما أسسوا عائلة أو جمعية، أو إنجازًا اجتماعيًّا، اقتصاديًّا أو علميًّا، والآن انتهوا، فقد وصلوا إلى السن التي لم تعد تسمح لهم طاقتهم وظروفهم بمتابعة هدفهم، بعد ذلك..
يصبح هدف المرحلة الرابعة ليس إنشاء إرث، بقدر التأكد من أن هذا الإرث يستمر إلى ما بعد وفاة الفرد، مثل دعم وتقديم المشورة لأطفالهم، والعيش بشكل مباشر من خلالهم، قد يعني ذلك تمرير مشاريعهم والعمل مع أحد المتدربين أو المتدربات، وقد يعني أيضًا أن تصبح أكثر نشاطًا اجتماعياً للحفاظ على قيم في مجتمع لم يعد يدرك أهميتها.
تمثل كل مرحلة إعادة توزيع أولويات حياة الفرد، و لهذا السبب، عندما تنتقل من مرحلة ما إلى أخرى، غالبًا ما يختبر المرء تداعيات في صداقاته وعلاقاته، فإذا كنت في المرحلة الثانية وكان جميع أصدقائك في المرحلة الثانية، وفجأة، حدث استقرار في العمل، والتزمت وبدأت العمل في المرحلة الثالثة، بينما لا يزال أصدقاؤك في المرحلة الثانية، سيكون هناك انفصال أساسي بين قيمك وقيمهم، وسيكون من الصعب التغلب عليها. تكمن السعادة في القدرة على تجاوز كل مرحلة، في أن يقبل الإنسان أنها لن تكون كافية للجميع في كل وقت، وبالتالي يجب عليه اتخاذ القرارات بنفسه، وأن يقبل أنه لن يكون قادرًا أبدًا على تحقيق كل ما يستطيع ويحلم به أو يرغب فيه، وبالتالي يجب عليه التركيز على أكثر الأمور أهمية والالتزام بها، وأن يدرك أن الوقت والطاقة محدودين، وبالتالي يجب عليك إعادة تركيز انتباهه على مساعدة الآخرين للقيام بأدوار في حياته، وأخيراً أن يدرك أن التغيير أمر لا مفر منه، وأن تأثير الشخص الواحد في هذه الحياة، بغض النظر عن مدى قوته وقدراته وطاقته وجهده، سوف يتبدد في النهاية أيضًا، وسوف تستمر الحياة.