د.مساعد بن عبدالله النوح
الحالة المزاجية للأبناء تتغير كما تتغير الظروف المحيطة بهم، فكما أن موسم العام الدراسي له ملامح وتتولد عنها انفعالات ورغبات، فإن مواسم الإجازات الرسمية ومنها الصيفية لها ملامح وتتشكل عنها حاجات ورغبات، ويجب على الوالدين أن يتفهما هذه الحال، ويتم تقديرها، كما يجب عليهما أن لا يعتبرانها من الدلال غير المرغوب فيه، وأن الاستجابة لها من الترف في التربية.
يخطئ الوالدان أحدهما أو كلاهما إذا قابل الحالة المزاجية للأبناء في الصيف بالإساءة والإيذاء ولا سيما إذا كانت الأسرة لا تقتنع بأهمية السفر؛ لأسباب مالية أو خلقية ونحوها، ولا توفر البديل المتناسب وشخصية لكل واحد منهم، إذ ليس مقبولاً أن يشتري الأب كتاباً أو قصة ويطالب جميع أبنائه بالاطلاع عليها، لكنه مقبول أن يكون سخياً ويجتهد في تلبية رغبة كل واحد منهم.
إنه من المؤلم أن يلجأ الوالدان ولا سيما الأب إلى ممارسة أحد أساليب الضغط، وخصوصاً اللفظي؛ بهدف تخويف الأبناء لصرفهم عن المطالبة في التمتع بالإجازة الصيفية إما بالسفر أو تغيير العادات اليومية سواء الغذاء أو الراحة أو ساعات النوم أو التواصل مع الآخرين.
ليس عيباً أن تكون للوالدين قناعات معينة حيال برامج الأسرة في الصيف، لكن العيب أن يتجاهلا الظروف المحيطة لأبنائهما، ويحاولا تمرير قناعاتهما عليهم؛ فلا يجب أن يغيب عنهما أن آليات الأسرة القديمة في إشباع حاجات الأبناء تختلف عن كيفية إشباع الأسرة المعاصرة لحاجات الأبناء في الإجازة الصيفية، فللوالدين مقدرة على فرز عواطف مختلفة تجاه أبنائهما كل حسب شخصيته وفي كل الظروف من أجل احتوائهم وإدخال السرور إلى قلوبهم والحد من الاضطرابات النفسية والسلوكية لديهم؛ لأن الإجازة موسم مهم ممكن تحقيق أهداف تربوية من خلالها.
قد يتسخط الأبناء في الصيف إما أن الأسرة لم تسافر، وبالتالي الأبناء يقارنون أنفسهم بمن حولهم المسافرين، ويترتب على ذلك أنهم يتذمرون من البقاء بدون حوافز تلبي رغباتهم وتشبع حاجاتهم، كما قد يحدث إذا كانت جهة السفر أو السكن أو المشتريات أو التنقل غير مناسبة لتطلعاتهم.
تذكرني حالة الأبناء في الصيف بتصنيف الحاجات الإنسانية في هرم ابراهام ماسلو، حيث رأى بأنّ هناك العديد من الحاجات التي يسعى الفرد لإشباعها من خلال قيامه بالعديد من الأفعال للوصول إليها، ورأى أنّ الحاجات غير المشبعة تسبب إحباطاً وتوتراً حادين، وأكد على التدرج في الانتقال من كل نوع في تصنيفه.
وحاجات الأبناء في الصيف كثيرة، وحسب هذا التصنيف فإنهم يتطلعون من الوالدين إشباع حاجاتهم إلى الراحة والنوم والتحرر من بعض التعليمات التي تتناسب وموسم العام الدراسي والبعد عن العنف والتهديد، والحصول على العطف، و التشجيع على اكتساب الأصدقاء، ورغبته في الانتماء إلى المجموعات الكبيرة كالجماعات الدينيةّ، والفرق الرياضيّة، والمنظمات المهنيّة، والرغبة في تحقيق المكانة الاجتماعيّة المناسبة على مستوى الأسرة الصغيرة أو العائلة بالإضافة إلى كسب احترام الآخرين.
وقد تحتاج الأسرة إلى بعض مؤسسات التربية في المجتمع للتوجيه في مواجهة حزمة الحاجات الإنسانية للأبناء، فمثلاً فمقدور الهيئة العامة للترفيه أن تقيم مسابقات لأجمل صوت، وأفضل إلقاء، وأحسن اختيار لمادة شعرية أو قصصية أو فنون تشكيلية، كما أنه بمقدور الهيئة العامة للثقافة أن تنظم رحلات للمواقع التاريخية، كما تطرح مسابقات لأفضل مقترحات للمشاركة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
والسبب في تخصيص هاتين المؤسستين لأنهما حديثتان وتلقيان قبولاً من قبل الرأي العام السعودي، كما يمكن أن تشارك وزارة التعليم بما لديها من إنجازات للطلاب ومعلميهم، وتشارك وزارة الإعلام بالإعلاميين والإعلاميات من ذوي الحضور الاجتماعي، وبالمواد المسجلة عن موضوعات مختلفة.
كلنا نتذكر البرامج الرائعة: ربوع بلادي، وعلى خطى العرب، وافتح يا سمسم، وإعلانات شركات الاتصالات، كلها بدأت أفكارًا ثم تناولتها أيادي أهل الاختصاص وتمت غربلتها حتى خرجت بالشكل والمحتوى الرائعين.
الذي أدى هذه البرامج هم من الأطفال ومن في سن البلوغ، وبرعوا في أدائها فوق ما كان المتوقع منهم. والجيل الحالي من الفئتين العمريتين لديهما مهارات حياتية أفضل وبراعة في التعامل مع التقنية ورغبات في الانضمام لأي فريق عمل.
هذه حلول لتحسين الحالة المزاجية للأبناء في مواسم الاسترخاء التي من شأنها أن تسهم في خلق روح منافسة حميمة بين الأسر خلال العام بأسره. وفق الله الجميع.