عبدالوهاب الفايز
امتدادًا للحديث في مقال الأسبوع الماضي حول أهمية توفر (الآراء والتصورات المستقلة) لـ (ولي الأمر) التي يحتاجها حين اتخاذ القرارات في إدارة شؤون الدولة، والذي كانت تقدمها بتوسع وسائل الإعلام، بالذات الصحافة، وهو ما نفتقده الآن مع توسع الاعتماد على وسائط التواصل الاجتماعي، ثمة خطورة أخرى طارئة على آلية العمل الحكومي، وهي: الإفراط في الاعتماد على (شركات الاستشارات الأجنبية)، فهذه الشركات يُظن أو يُتوقع أنها تقدم آراء مستقلة عن أداء القطاع العام، وكيف يجب تطويره وتغييره.
في هذا السياق.. القلق الوطني المشروع لنا جميعًا هو الخشية من عدم كفاءة وقدرة هذه الشركات على تقديم آراء مستقلة إلى ولي الأمر تجعله وتجعلنا نطمئن على سلامة توجهات الإستراتيجيات والقرارات والمبادرات الحكومية التي تضعها شركات الاستشارات الأجنبية، خصوصًا مع وجود محاذير حقيقية تحيط بعلاقاتها وطرق عملها، وضعف التأهيل والتجربة للموارد البشرية التي تعتمد عليها.
من ضمن الآليات التي تم إنشاؤها لتنفيذ الإستراتيجيات هي (مكاتب تحقيق الرؤية). هذه يفترض أن تقدم التحليل الموضوعي والرأي المستقل لأداء القطاع العام وكيفية تنفيذ برامج الرؤية، ولكن هذه لا تقدم آلية فعلية عملية لـ (دعم صنع القرارات) الوطنية، إذ أصبحت أقرب إلى مكتب إدارة مناسبات وتنسيق لورش العمل والاجتماعات و(عصف الأفكار) المستمرة والمصممة لكي يأخذ منها خبراء الشركات الاستشارية الأجنبية الأفكار والتصورات، التي يعاد لاحقًا تجميعًا في عروض جذابة لتقدم كوثائق للإستراتيجيات الحكومية!
الذي يكاد يُجمع عليه أغلب من يعرف وضع هذه المكاتب عن قرب هو أنها، مع الأسف، تحولت إلى جزر معزولة في آليات عملها وإدارتها عن الجهاز الحكومي العام، الذي سوف يتولى في النهاية تنفيذ الإستراتيجيات التي تصممها الشركات الاستشارية.
الجهاز الحكومي أصبح يوصف بـ(الجهاز التقليدي)، كما هو الحال مع وسائل الإعلام الأساسية، بالذات الصحف، التي وضعت أيضًا في الإطار التقليدي مقارنة بالتواصل الاجتماعي.. وما يحمله هذا الوصف من دلالات ومضامين سلبية في المخيلة الاجتماعية المحدّثة!
إذا نظرنا إلى هذا الجانب، من بعد الاتصال التنظيمي في المنظمة ومن بعد إدارة التغيير الشاملة، ربما نجد أنفسنا نواجه نمو حالات سلبية لمقاومة التغيير، وأيضًا قد تتطور حالة اغتراب الموظفين عن بيئة العمل بسبب غيابهم في عملية صنع السياسات وبناء الإستراتيجيات، ونتيجة لآلية فرض التغيير من أعلى الهرم إلى الأسفل. هذا قد يؤدي إلى تنامي فجوة الانحراف وتوسعها بين الإستراتيجيات وبين آليات وخطط تنفيذها، وهذا أسوأ سيناريو نخشاه، ونخاف أن يؤثر على مشروع التحول الإيجابي الذي كلنا نتطلع إلى مخرجاته.
الآن بدأنا نلمس الجوانب السلبية في تطبيق التصورات الإستراتيجية التي وضعتها الشركات الاستشارية. مثلا، لقد جاءت بمفاهيم جديدة للعمل الحكومي مثل خدمة العميل، والشريك وتجربة العميل، وغيرها.. ومطلوب من موظفي الجهاز الحكومي (التقليديين) تنفيذها. عدم جاهزية وتأهيل الموارد البشرية أدى إلى تعثر التنفيذ، وبالتالي أصبحت الإجراءات الجديدة مصدر المشكلات للناس.
من المشاكل التي نواجهها الآن وضع (المشروعات الناشئة متناهية الصغر). رغم التوجهات الإستراتيجية لبناء هذا القطاع الحيوي لمستقبل العمل والتجارة وللشباب، الآن هذه المنشآت تواجه مشاكل حقيقية لا تنحصر بمشكلة الرسوم فقط، ولكن ثمة متاعب للشباب مصدرها تضارب آلية العمل وعدم تناسق إجراءات الأجهزة الحكومية، بالإضافة إلى الإفراط في تطبيق التعاميم والقرارات المنظمة، وتوسع تطبيق الغرامات المالية، وكل هذه المشاكل نخشى أن تؤدي إلى فشلها وعودة توسع التستر التجاري من جديد!
ما نود التأكيد عليه هو ضرورة تطوير (آليات عمل مستقلة) تمكن (ولي الأمر) من التعرف السريع والدقيق على المشاكل قبل تفاقمها وتحولها إلى (تكلفه سياسية). الشركات الاستشارية الأجنبية لن تقدر على توفير وصف مستقل لتحديات التنفيذ. هي جزء من المشكلة!
ضرورات تماسك الجبهة الداخلية ومتطلبات السلام الاجتماعي ليس من الحكمة إرباكها بعثرات جانبية ناتجة عن غياب التروي والحكمة والتعجل في الأمور. مما يطمئن أن سمو ولي العهد في حواره مع جريدة (الشرق الأوسط) أكد أن الحكومة تقوم بمراجعة دقيقه للمبادرات والخطط التي وضعت لتلافي مشاكل تنفيذها.
ولي الأمر من حقه على كل مسؤول وموظف في الدولة أن يضعه بالصورة إذا توقع وجود مشكلة. ومنذ عهد الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، كان ولي الأمر يعرف كيف يعالج المشاكل ويتصدى لها بحكمة وحزم، المهم أن يعلم في الوقت المناسب.