فهد عبدالله الزهراني
هناك كثير من الصفات الإدارية التي تماثلت في شخصية الوزير الأسطورة الراحل غازي القصيبي جعلت من سيرته الإدارية ذات حضور فعال وملهم لمن كان في نطاق إدارته آنذاك وللأجيال التي ترتوي إداريًّا بتعاليم المدير المثالي الواقعي.
في الحقيقة كثيرة هي تلك الحكم المنثورة في سيرته الإدارية المكتوبة أو التي يتناقلها الناس في حديث المجالس إلى يومنا هذا، سأقف هنا مع تلك الحكمة الإدارية العظيمة التي هي بمثابة ميكانيزم فعالة لأي مدير يريد أن تتجه أفعاله إلى المثالية وبمجرد الارتباط الوثيق بشروط هذه الحكمة أعتقد بأن الطريق الإداري سيكون مليئ بالإنجاز والفعالية وغلة وفيرة من مؤشرات الأداء.
هي من جوامع الكلم في المجال الإداري جمعت بين النظرية والتطبيق والخبرة الميدانية، لم تعترك في بيانها بين تناولها من حيث الفن أو العلم أو بين الموهبة والاكتساب أو نوعية الأخلاق التي يتحلى بها صاحبنا الإداري وإنما تركز على النتيجة النهائية التي يجب أن يتحلى بها القائد الإداري على ثلاث صفات:
الأولى: (القدرة على معرفة القرار الصحيح) وهي صفة عقلية خالصة وجوهرها الحكمة والثانية: (القدرة على اتخاذ القرار الصحيح) وروحها الشجاعة والثالثة: (القدرة على تنفيذ القرار الصحيح) وهي مزيج بين الصفة العقلية والنفسية، فأسباب الفشل الإداري المتعلقة بهذه الصفات أن الغبي لا يستطيع معرفة القرار الصحيح والإداري الجبان لا يستطيع اتخاذ القرار الصحيح والإداري غير الماهر لا يستطيع تنفيذ القرار الصحيح.
هذه الحكمة التي احتوت على صخور إدارية كبيرة هي من عيون الحكم الإدارية لما يقع خلفها من تراكمات واسعة من العلم والممارسة، اذهب إلى أطرف كتاب إداري أو صاحب طريقة إدارية أو انتظم في أي دورة تدريبية في مجال الإدارة ستجد أن تفاصيلها ومحاورها تستطيع أن تدرجها تحت هذه المانشيتات الإدارية العريضة.
معرفة القرار الصحيح في ظل المدخلات الإدارية الهائلة جعلت من مساحة المنطقة الرمادية ذات بعد متزايد يكاد لا ترى حدودها ذات البياض والسواد والذي يجعل من معرفة القرار الصحيح أصعب مهمة رغم دعوى بداهتها للإداري البيروقراطي، كان الوزير الراحل كثيرًا ما يردد عبارة اتخاذ القرار من خلال (أساس علمي متين) وتجد ذلك جليا في اتخاذه للقرارات الإدارية المتعلقة بالأمور الفنية التي لا يتم إقرارها إلا بعد إفادة اللجان العلمية المتخصصة التي كونها في الداخل والخارج لمراجعة الأمورالفنية.
واتخاذ القرار عندما تتوصل بكل الطرق البحثية والتقيمية تجاه صحة القرار هي أمر نفسي بحت يبتدأ بالتآلف مع صفة الشجاعة والإقدام ويتحفز في اتجاهه بأنه قرار صحيح استنفدت فيه الجهود الممكنة في معرفة صحته، ويظهر ذلك في ثنائه على (المتعبين) الذي يجب أن يتذرع الإداري بصبر لا حدود له عند مشاركتهم بالعقول ولولاهم لما كان بوسعه تحقيق شيء، أي شيء على الإطلاق. وكانت معركة الصلاحيات المنتزعة التي يجب أن تكون ممنوحة دائمة الوقوع في كل الأماكن التي عمل بها الوزير الراحل بداية من عمادة الجامعة ومرورًا بوزارة الصناعة والكهرباء وأخيرًا بوزارة الصحة.
ومهارة تنفيذ القرار الصحيح تضع حجر زاوية فعالية القيادة الإدارية في مكانها، انظر كم هيا الأدراج التي امتلئت بتلك القرارات، التي امتلئت بالمدارسة والمراجعة والتحكيم وفاضت به الحكمة من كوبها إلا أنها استمرت قابعة في ذلك الدرج حتى أوقات الجرد السنوية ومن ثم انتقلت لمحرقة الورق التي لا تميز بين الورقة الفارغة والممتلئة بالحكمة.
رحم الله الوزير الأسطورة غازي القصيبي الذي كانت تغلف مسيرته الإدارية تلك الروح العفوية المتسامحة التي لايشغلها إلا الإنجاز ورفعة الوطن ورغبة اتساع مساحات النجاح لدى الآخرين، كانت رغبته في إتقان العمل لم تعن قط التفوق على إنسان آخر لسبب بسيط لأن العالم يتسع لكل الناجحين أيا كان عددهم وأن النجاح الذي لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر.