رمضان جريدي العنزي
أصحاب الأقنعة المصطنعة، لهم في النهار وجه، وفي الليل وجه آخر، لهم في البيت وجه، وفي المناسبات والمحافل والاستراحات وجه آخر مغاير، يعيشون المتضادات كلها والمتنافرات، والازدواجيات كلها والمتناقضات، يهرفون بالتنظير دون العمل، ويقولون غير الذي يفعلون، يدعون العلم والمعرفة والإحاطة بالأشياء، وهم يعيشون في سفوح الكذب، وكهوف التخلف، وسبخ البهتان، ومستنقعات الرداءة، يتحدثون عن صور الحسن والجمال، وفي حقيقتهم القبح كله، والدمامة كلها، طلقوا الحياء، وباعوا القيم، واستمرأوا الكذب والتلفيق، يستخفون الناس، والثوابت والأخلاق، لا يحسنون معرفة ما يفعلون، وليس بمقدورهم الثبات على الحق والصدق، كونهم جبلوا على الكذب والاحتيال، واصطناع الأوهام، وتركيب صور الخداع، عندهم نزعة متوغلة في البعد عن رحاب الحقيقة، ومدارات النقاء، ومساحات البياض، وقرب من اصطناع الأباطيل، والتلذذ للقال والقيل، والمراقبة والشك والتلصص، لقد غاب عن هؤلاء معرفة أن البراقع المصطنعة لا تحجب الحقائق، مثل الشمس لا يحجبها غربال، وأنهم بتمثيلهم ومسرحياتهم وكذبهم وتزويرهم، يهينون أنفسهم، ويعرضونها للاحتقار والازدراء والامتهان، أنهم مجرد أدعياء، فاشلون في دروس الحياة، ليس عندهم قدرات ولا كفاءات ولا مهارات، وأعمالهم وأقوالهم المصطنعة ربما تنطلي على البسطاء، لكنها لا تنطلي على العقلاء من الناس، محاولاتهم في الاصطناع بائسة، وأصواتهم وإن كانت عالية فهي واهية، هم مثل نشارة خشب، ونقار الخشب، وهم مثل الذي ينظم القصيدة الرديئة، ويحسبها معلقة، ينشدها ويصفق لنفسه دون أن يعرضها على أحد، أو يأخذ برأي أحد، اللافت أن كثيراً من هؤلاء يعيشون بيننا كجراد منتشر، يمارسون بأريحية ما يروق لهم، دون خجل ولا حياء، ويحسبون أنفسهم يحسنون صنعاً، وما دروا بأنهم مجرد ظاهرة منكرة، وبأن طنينهم يشبه طنين الذباب، ونقهم كنق ضفدع في مستنقع آسن، وأن حقيقتهم كاملة مكشوفة وبائنة.. إنني على يقين تام بأن هؤلاء مجرد فقاعة صابون، ما تلبث أن تتلاشى وتزول، وأن تمترسوا خلف ادعاءاتهم الكاذبة، وأراجيفهم البائنة، ولغوهم الرمادي، وبراقعهم المصطنعة، ستلفظهم الحياة النقية، والناس الأنقياء، وحسبهم ما لحق بهم من قبيح الصفات والألقاب.