د.عبد الرحمن الحبيب
التقى الأسبوع الماضي ولمدة يومين مستشارو الأمن القومي لكل من روسيا وأمريكا وإسرائيل في القدس، فيما أطلق عليه لقاء القدس الأمني.. وموضوعه العلني: سوريا، والفعلي: مصير إيران في سوريا. فكيف تجتمع الأجندة الأمريكية والأجندة الإسرائيلية من جهة مع الأجندة الروسية من جهة أخرى رغم التعارض بينهما؟ وما الذي يريده كل طرف؟ إنما السؤال الأهم والأصعب: ما هو موقع روسيا المتأرجح بين إيران وإسرائيل؟
الروس يقولون: إنه لقاء من أجل «البحث عن خطوات عملية مشتركة لتسوية الأزمة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها»؛ بينما يقول الأمريكان إنه من أجل الإسهام «في بلورة نهج مشترك أكثر فعالية إزاء إيران». أما الإسرائيليون فيقولون إن اللقاء خرج مؤكداً ضمان أمن إسرائيل، ووجوب مغادرة كافة القوى الأجنبية لسوريا. الكاتب الروسي إيغور سوبوتين، في نيزافيسيمايا غازيتا عنون مقاله عن اللقاء: «يريدون ضم روسيا إلى التحالف المعادي لإيران»، ذاكراً أنهم سيحاولون إقناع موسكو بخطورة السياسة الإيرانية..
تذكر الأوساط الإعلامية أن مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف تعرض لضغوط من قبل بولتون ونتنياهو بموضوع إخراج إيران من سوريا. باتروشيف مسك العصا من النصف، ذكراً أن روسيا تتعاون مع إيران لمكافحة الإرهاب في سوريا، وفي نفس الوقت تريد ضمان أمن إسرائيل.. كما وعد بأن ينقل نتائج هذا اللقاء للإيرانيين المنزعجين من هذا اللقاء.. أي أنها ستكون وسيطاً بين إيران وإسرائيل.. وقد عرض اقتراحاً روسيا برفع الحصار عن إيران مقابل تقليل وجودها في سوريا.
الروس سبق أن حققوا ما اعتبروه إنجازاً بإبعاد القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا مسافة مئة كيلو متر عن الحدود، لكن القوات الإيرانية ووكلاؤها عادوا واقتربوا من جديد. كما نجح الروس في تنسيق العمليات الجوية مع أمريكا في سوريا، كيلا تكون هناك أخطاء غير مقصودة أو مقصودة.. فإذا كانت روسيا على مسافة وسطى بين إيران وإسرائيل فأيهما أقرب لها في ظل التجاذبات الحالية؟
العلاقات الروسية-الإسرائيلية متينة ومدعومة من جالية يهودية كبيرة ومؤثرة في روسيا ومن متحدثي الروسية بإسرائيل (حوالي مليوني نسمة)؛ كما أن العلاقة الشخصية بين بوتين ونتنياهو قوية، فروسيا هي أكثر بلد يزورها الأخير، ويُعتقد أن مشاركة روسيا في لقاء القدس كان نتيجة لهذه العلاقة. ومع اقتراب نهاية الحرب في سوريا، فإن موسكو قد تفكر في إعادة توازن القوى، لأن الحليف الحالي في سوريا قد يصبح خصماً في المستقبل!
إذا كان بوتين سبق أن عبَّر عن انزعاجه من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، فإنه في المقابل أخبر محاورين غربيين بصورة غير علنية (نقلاً عن معهد واشنطن) بأنه لا يرغب أن تصبح سوريا «مستعمرةً فارسية». وكتب فرولوفسكي، بصحيفة آر بي كا: «على الرغم من علاقات التحالف مع طهران، تشارك موسكو سراً تل أبيب قلقها، بسبب النفوذ المفرط للقوات الإيرانية. ومع ذلك، لا يبدو أن الكرملين يعرف كثيراً كيف يمارس الضغط على إيران من دون تقويض علاقات الثقة معها.. بالنظر إلى أن روسيا ليس لديها العديد من قنوات التأثير الفعالة على القوات الإيرانية في سوريا، فإن التنسيق مع إسرائيل يمكن أن يكون وسيلة لموازنة نفوذ طهران».
أهم فجوة قد تظهر بين روسيا وإيران هي تنافسهما على تقاسم النفوذ في سوريا، واختلافهما في طريقة ترتيب الأوضاع. روسيا تريد إنهاء الصراع في سوريا واستقرار البلد لقطف ثمار انتصاراتها وإرساء نفوذ طويل الأمد هناك، بينما تسعى إيران لتأكيد دورها الإقليمي في إطار مشروع طائفي، واستمرار إمداد الأسلحة والأموال لوكلائها العسكريين بالمنطقة.
ما الذي تطلبه روسيا كي توافق على إنهاء التواجد الإيراني في سوريا؟ يقول الباحث في دراسات الشرق الأوسط، فريديريك هوف (الممثل السابق لوزارة الخارجية الأمريكية للانتقال السياسي بسوريا): «إن نوع التعاون الذي تفكر فيه موسكو (وربما إسرائيل) هو اعتراف الأمريكيين بنظام بشار الأسد، والانسحاب الأمريكي من المناطق الشمالية الشرقية بسوريا، والدعم الأمريكي لإعادة الإعمار الوطني بمساعدة النظام. من الصعب جداً على الولايات المتحدة قبول ذلك، لأن الموقف الأمريكي يتلخص في حقيقة أن الأسد، يلهم داعش ويمنحها مزيداً من المجندين. تعتقد واشنطن أيضاً بأن الصلة بين إيران والأسد عضوية: فسوف يخاف النظام على مستقبله بغياب إيران وحزب الله».
أخيراً، يبدو أن لقاء القدس لم يفضِ إلا إلى تفاهمات مؤقتة وغير واضحة في أحسن الأحوال.. فهم اتفقوا على ضمان أمن إسرائيل واختلفوا حول إيران، فلا جديد في الأمر.. لكن إذا أخذنا صورة أوسع لرغبات بوتين كي يفك تحالفه مع إيران أوعلى الأقل يضعفه، فهي تتمثل أولاً في رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، ثم بتقليص انتقاد التدخلات الروسية في أوكرانيا، وعرقلة التوسع بعضوية الناتو للبلدان القريبة من الحدود الروسية مع تخفيف نشاطاته شرق أوروبا.. ويبدو أن أياً من ذلك صعب التحقق على المدى القريب، أما الأكثر صعوبة فهو اقتناع الكرملين بأن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا ستتصادم في المستقبل.. إلا أنه إذا كان ليس متوقعاً أن تزيح روسيا الوجود الإيراني من سوريا، فباستطاعتها ممارسة الضغوط لتحجيم هذا الوجود.