حمّاد السالمي
* يا لها من حقائق مرّة.. إنها قصص حقيقية أغرب من الخيال؛ جرت وتجري على مرأى ومسمع من أنظار العالم الذي يدعي الحرية والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي ينتهك فيه هذه الحقوق صباح مساء دون شعور بالمسؤولية أو إحساس بالإنسانية.
* قصص كثيرة وعجيبة هذا بعض منها على سبيل المثال: مواطن إيراني اسمه: (مهران كريمي ناصري)، طُرد من بلده التي تدعي أنها (جمهورية وإسلامية)..! ورفضت استقباله فرنسا، وعاش في مطار شارل ديغول في باريس لمدة 18 سنة..!.. مهران كريمي ناصري، الذي اشتهر باسم اختاره لنفسه: (سير الفريد مهران)؛ عاش في الصالة رقم واحد (Terminal 1) في مطار شارل دي غول الفرنسي من تاريخ 8 أغسطس 1988م وحتى أغسطس 2006م. سُرقت حقيبته اليدوية والتي كانت تضم جميع أوراقه الثبوتية؛ عندما كان في محطة القطارات في باريس متوجهاً إلى مطار شارل دي غول الدولي، وتمكن من الصعود إلى الطائرة متوجهاً إلى المملكة المتحدة، ولكن عند وصوله مطار هيثرو بلندن بدون الأوراق الثبوتية؛ قرر المسؤولون في المطار إرجاعه إلى مطار شارل دي غول الدولي مرة أخرى، ولكنه لم يتمكن من إثبات هويته، فنقل إلى منطقة الانتظار حيث يتم البت في شئون الركاب الذين لا يمتلكون الأوراق الثبوتية المطلوبة.. وكان ذلك الانتظار الأبدي غير المنتهي، حيث مكث في المطار لمدة 18 سنة..!.
* بعد هذه السنوات الطوال؛ تم نقل ناصري إلى المستشفى بسبب مرض لم يُكشف عنه، حيث أنهى إقامته الطويلة في مطار شارل ديغول الدولي، وراح يعيش من عام 2008م في ملجأ بالضواحي الباريسية في انتظار رحلة المغادرة إلى الآخرة. هذه القصة العجيبة؛ أوحت بإنتاج فيلم: (The Terminal). فيلم كوميدي أمريكي من إخراج (ستيفن سبيلبرغ)، وبطولة (توم هانكس- كاثرين زيتا- جونز وستانلي توكسي).
* قصة أخرى لا تقل مرارة وغرابة عن قصة (ناصري)؛ تخص (أناستاسيوس)، أشهر مسافر شبح في مطار مدريد، ويبلغ من العمر نحو 50 عاماً، ويرتدي سترة جلدية سوداء وقميصاً أسود، ويحمل حقيبة جديدة تماماً تحمل اسمه على أحد جوانبها.. وبالنسبة لعمال المطار، أصبح هذا الرجل جزءاً مستديماً من المشهد الطبيعي للمطار، فقد ظل يعيش في صالة المطار لمدة خمس سنوات، وهو جزء من مجموعة من الأشخاص الذين لا مأوى لهم، والذين يتظاهرون بأنهم مسافرون.
* المآسي الإنسانية في هذا الكون لا تنتهي.. هناك ما يطلق عليه مجتمع المشرَّدين في مطار مدريد..! يعيش ما بين 20 إلى 30 شخصاً حالياً في مطار (باراخاس أدولفو سواريز)، وفقاً لتقديرات صحيفة البايس خلال الأيام الأربعة التي زارت فيها المطار. وتحدد الشرطة الوطنية، المسؤولة عن أمن المطارات، هؤلاء الأشخاص المشردين، لكن دائرة الصحافة التابعة لها لا تريد تقديم المزيد من التفاصيل عن أنشطتهم. ويقول الضباط: إن هؤلاء لا يمثلون أيّ تهديد للسلامة العامة. وتقول سلطة المطار الإسبانية؛ إن الأشخاص المشردين يمكنهم الدخول إلى الصالات، لأنها أماكن عامة. وعلى الرغم من أن سلطة المطار لم تقدم أيّ أرقام رسمية، فإنها تقول: إن عدداً متزايداً من الأشخاص يختارون الذهاب إلى مراكز الرعاية الاجتماعية.
* ومن هؤلاء الأشباح في مطار مدريد؛ مسافر (بدون اسم)، أمضى ثمانية أشهر في مبنى المطار. وروى الرجل، الذي يقول إنه من إسرائيل قصته لامرأة من لندن، سألته عن الوجهة التي يريد أن يذهب إليها، وأخبرها بأنه يريد أن يعمل كصياد في جزيرة الكناري في لانزاروت، فاشترت له تذكرة على رحلات شركة (ريانير) وأرسلتها إليه، لكن من غير المعروف ما إذا كان سافر على متن الطائرة أم لا..!.
* ومن عالم أشباح المطارات كذلك في مدريد: (ديفيد)، يرتدي سترة ذات لون بني فاتح وقميصاً وقبعة ذات علامة حمراء -باعها لاحقاً مقابل 30 يورو- كان جالساً على طاولة خارج المطعم لمدة ثلاثة أيام متتالية.. وظل يدعي أمام محدثيه أنه أخطأ رحلته إلى تل أبيب، وكان ينتظر من أحد أفراد العائلة أن يرسل له الرمز الخاص بالحصول على تذكرة جديدة.. يقول إنه ينام قليلاً، وهذا هو السبب في أنه أكثر عصبية من المعتاد، ويشعر بأنه قد تقطعت به السبل، يقول مبتسماً: نعم.. مثل توم هانكس في فيلم تيرمنال.
* ومنهم (الياباني).. أحد المسافرين الأشباح، الذي يبدو أكثر غموضاً، هو رجل يبلغ من العمر 56 عاماً، يعرف باسم الياباني، لأنه يتقن اللغة اليابانية. بدأ العيش في المطار قبل ثماني سنوات، بعد أن اتخذ سلسلة من القرارات التجارية الفاشلة، وظل هناك منذ ذلك الحين.
* هناك كذلك عائلة من زيمبابوي تضم أربعة أطفال تقل أعمارهم عن 11 عامًا، وأربعة بالغين، وصلوا إلى (بانكوك- تايلاند) في مايو أيار من عام 2017م، وكانوا عالقين في المطار لأنهم يرفضون العودة إلى بلدهم خوفًا من الاضطهاد.
* اضطهاد وخوف وطرد وتشريد؛ يخلق عالمًا من الأشباح البشرية المضطهدة، التي تُجبر أو تختار أو تحتال؛ لقضاء سنوات من عمرها في مطارات أشهر عواصم العالم، تعيش على الفتات وبقايا الأطعمة من النفايات؛ دون تدخل من حكوماتها ودولها أو دول العواصم هذه، أو منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان، التي تبيع وتشتري وتسيّس في قضايا هامشية، من أجل عيون حفنة من دولارات أو ريالات قطرية عابرة للقارات.