فوجئ أبو عبدالعزيز بدخول حسناء إلى المحل، وجهًا لوجه، وبكامل أنوثتها، اكتسح جمالُها كلّ شيء: الأضواء، الأطقم؛ أدواتُ التجميل انحنت لجسم فارع ووجهٍ غفلت عنه العيون، وتحلم أن تستقر عليه بنظراتها إلى الأبد!، انفرط عقد مجموعات العرض، وتساقطت فُرَشُ المكياج من فوق الرفوف، الرموشُ الصناعية تساقطتْ أرضًا تكنس وتمسح طريق الفاتنة ذات القلم والأوراق، نظر البائع، وهو صاحب المحل، مذهولاً، أفاق من سكْرته، وإن ألقتِ السلام، فلم يسْلمْ من سِحرٍ راح يدكّ حصونه، ويقتلع أركانه، ماذا يفعل وقد غزتْ المحلَّ بعطر حضورها الصارخ، وبأجنحة من بهجة، حلّقت بعضُ المحتويات حولها تطلب ودّها، وتخشى ألّا تجد تحت سقف (البوتيك) طلبها..
ارتبك الرجل، غضّ البصر سيربكُ ما تبقّى له من حواسّ، والقلبُ يكاد يطير ويرحّب بها بطريقة لم يألفْها نبضٌ أو لسانٌ من قبل!؟
وجد نفسَه بلا سيطرة يقول: تفضّلي، كيف أقدر أخدم جمالك، أقصد كيف أخدمك!؟
نظرتْ في المحتويات النسائية، ثم قالت:
- عندك فكرة عن التعميم رقم 170 وتاريخ.. من أنظمة العمل؟
- عندي فكرة وعندي- الله يحفظك على عرش الجمال - أنت (اللي) ما عندك أية فكرة عن الحالة، لم أجد، قبل اليوم، مَن تستحق دخول المحل، فكيف بمن تعمل فيه!؟ هذا طبعًا قبل زيارتك الخرافية، أقصد الزيارة التطويرية المفيدة لخدماتنا!
وفي غير وقتها، وعبْر باب المحل، دخلت زبونةٌ بلا وجهٍ ولا ترحيب بها، لتسأل:
- عندك..؟ قاطعها
- لا ما فيه عند عاشر محل وأسعارهم أحسن من أسعارنا!!
لم يصرف النظر عن الصاروخ الموجّه بدقة تفوق القرارَ رقم وتاريخ.
- عمومًا عليك مخالفة عدم توظيف...
- حاضر.. كم؟
- واحدة.
طيب.. كوني واسطة خير! أي واحدة من طرفكم وظيفتها جاهزة من بكرة تداوم.. ولو أني سأخسر!
- توطين وتأنيث هذه النوع من الوظائف -يا سيّد- ليس خسارة! ستأتيك الزبائنُ من النساء أكثر!
- أقصد خسارةَ زيارتكِ يا.. الله يسلمك! وكاد أن يقول» أستاذة الجمال» حاول أن يكتفيَ فلم يملكْ كلماته، وأتبع:
- آمِري أمْر!
-لو زرتكَ مرة أخرى والحال كما هو ستسجّل عليك الغرامة وغلْق المحلّ شهر حسب النظام.
- زيارتُك مكسبي الكبير هذا اليوم، بل هذا الشهر. فأين الغرامة في طلّتك طال عمرك؟!
تردّدتْ مع وقع الغزل الطاغي السابح به أو بها، ثم عادت لتختم، وهي تكتب في أوراقها الرسمية وتضع علامة صح على (إنذار نهائي):
- المهم..
-المهم لا تقاطعينا!
- لا تقاطعني... لازم تطبّق....
سمع، ولم يسمع غير اضطراب قلبه تحت ضربات الجمال الصاعقة، الشّعرُ كستنائيًا يتمرُد خارج الشيلة، والوجه يتفوّق على كل موديلات الشركات، وملصقات الماركات التي تملأ الجدران، احتار، وهو الجاد في تعامله، هل كان إلى التحرش أقرب؟ أم إلى تهمة رشوة سببُها الضعف الساحق أمام سِحر مسيّج يهدّد بالتعاميم.
غادرتْه، وهو يحرك كفّيه بحسرة، وأمسك حافة الفترينة، ليتأكُد أنه في مكان العمل المعتاد، وبدأ يُعيد قلبه إلى كراسيه المتطايرة مع وقع ضربات كعبها العالي وهي تغادر. سمع شيئًا مثل كلمات، أو صوتًا في داخله يهتف مودِّعًا:
أيّ نسيم حملكِ أيتها الفاتنة وأي زلزال ضرب منظومة الجَمال وأعاد بناءها؟!
التفت الرجلُ إلى الأشياء على الأرض، وطفِقَ يجمعها بعد الهزة التي ضربت القلبَ والمكان بقوة عشرة ريختر.
** **
- ظافر الجبيري