د. عبدالحق عزوزي
هناك إجمالاً ثلاثة تصنيفات عالمية للجامعات، وهي الأكثر شهرة على نطاق واسع: التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم (ARWU) الذي بدأته جامعة شنغهاي جياوتونغ عام 2003 في الصين، وتصنيف جامعات العالم من قبل مجلة تايمز للتعليم العالي (THE) اللندنية منذ عام 2004، وتصنيفات جامعات QS العالمي التي تصدرها مؤسسة كواكواريلي سيموندس البريطانية منذ عام 2010.
وفي هذا الصدد حلت جامعة أكسفورد البريطانية في المرتبة الأولى عالميّاً في تقرير مؤسسة «تايمز للتعليم العالي» Times Higher Education لأفضل الجامعات العالمية لعام 2019. وحسب التقرير الذي شمل أكثر من 1250 جامعة في 86 دولة، فقد احتفظت جامعة أكسفورد بالمرتبة الأولى للمرة الثالثة على التوالي، تلتها جامعة كامبريدج البريطانية ثم ستانفورد الأمريكية.. والقادم الجديد لقائمة العشرة الأوائل هذا العام، جامعة ييل الأمريكية، بينما خرجت منها جامعة ETH زيورخ السويسرية.
طبعاً هناك الكثير من التصنيفات العالمية المعترف بها دوليًّا والتي تعمل كل سنة على حصر مجموعة ضخمة من جامعات العالم قصد وضع تصنيف أفضل جامعات العالم حسب مجموعة من المؤشرات والمعايير المختلفة. نظرًا للأهمية البالغة لهذه التصنيفات والتي تعكس بشكلٍ أساسي جودة التعليم الخاص بكل بلد وتعتبر مرجعًا أساسيًّا من أجل اختيار الأفضل، ويعتبر تصنيف THE - Times Higher Education أحد أهم التصنيفات العالمية التي تُعنى بتقييم مجموعة من الجامعات التعليمية حول العالم وترتيبها حسب درجة استحقاق، اعتمادًا على مجموعة من المعايير العلمية الخاصة. بدأ إصدار هذا التصنيف منذ 2004 من طرف المجلة البريطانية التي تحمل نفس الاسم.. وعادة ما تضع المؤسسات الدولية المعنية قوائمها للجامعات الأفضل في العالم، بناء على عدة اعتبارات. فتصنيف التايمز للجامعات مثلا يقوم على منهجية واضحة تقوم بدورها على 13 سِمة مجمعة تحت خمس فئات: التدريس (30 % من الدرجة النهائية)، البحث (30 في المئة)، الاستشهادات بأبحاث الجامعة أو المؤسّسة البحثية (32.5 %)، المكانة على المستوى الدولي (5 %) ثمّ حجم الدخل (2.5 %).
صدرت هذه المنهجية في الثالث من حزيران - يونيو 2010، ذُكر حينها أنّ المجلة اللندنية قد ترفعُ عدد المؤشرات إلى 16 في المستقبل القريب من خلال إضافة مؤشر البحث العلمي (55 في المئة)، مكانة المؤسسية (25 في المئة) ثم النشاط الاقتصادي - الابتكار (10 في المئة) وكذا التنوع الدولي (10 في المئة).
لا جرم أن كل هاته الجامعات المرموقة تتكيف وتقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال، لأن التي تبقى في منأى عن ذلك ستبقى بتراء.. ونحن نعلم أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد ثورة الاتصال الخامسة حيث يمكن تمييز تطور الاتصال من خلال خمس ثورات أساسية، تتمثل الثورة الأولى في تطور اللغة، والثورة الثانية في الكتابة، واقترنت الثورة الثالثة باختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر على يد العالم الألماني غوتنبرغ، وبدأت معالم ثورة الاتصال الرابعة في القرن التاسع عشر من خلال اكتشاف الكهرباء والموجات الكهرومغناطيسية والتلغراف والهاتف والتصوير الضوئي والسينمائي، ثم ظهور الراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين، أما ثورة الاتصال الخامسة فقد أتاحتها التكنولوجيا في النصف الثاني من القرن العشرين من خلال اندماج ظاهرة تفجر المعلومات وتطور وسائل الاتصال وتعدد أساليبه.
ولقد زلزل تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال مناهج التعليم والتعلم، حيث أصبح من الصعب على أستاذ الجامعات العصرية، غير الملم بالتقنيات الجديدة للتواصل مثل iTune ، second life، Youtube أو الدروس المجانية عبر الخط مثل MIT Open courseware أو edX أو khan Academy، أن يتماشى مع طلاب هم على دراية كبيرة بوسائل الإعلام الاجتماعية. علاوة على ذلك، فاللغة المهيمنة على مواقع الإنترنيت هي الإنجليزية (57 في المائة)، متبوعة بشكل بعيد باللغات الأخرى: الألمانية (6,5 في المائة)، والروسية واليابانية والإسبانية والصينية (4 و5 في المائة) وأخيراً الفرنسية بنسبة (3,9 في المائة). وهذه أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الجامعات الحديثة النشأة وتتمثل في إقامة أرضية تكنولوجية تمكن الطلاب والأساتذة من الوصول إلى المعارف المتوفرة والمجانية.
وهكذا.. يمكن للأساتذة التحرر من قيد إعادة خلق الدروس، وبالتالي استغلال وقتهم في تدريب الطلاب بدل إغراقهم بمعلومات متوفرة في الإنترنيت. كما أن تسويق المعارف يجب أن يكون من أحد أهداف الجامعة، وهاته الثقافة للأسف الشديد هي غائبة في العديد من جامعاتنا العربية، فالثلاثية جامعة -حكامة- صناعة، هي التي تبني الأمم الغربية وتقوي صناعاتها وتساهم في بناء الحاضر والمستقبل.