الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
اهتمّت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا في سن الأنظمة الهادفة لحماية وحفظ الملكية العقارية للدولة، وذلك من خلال وضع أنظمة وتطبيقها على أرض الواقع، وفتح ملفات الفساد والاعتداءات على أملاك الدولة واستعادتها من المعتدين أي كانت صفتهم.
هذا ما يؤكده الشيخ عمر بن عبدالله المشاري السعدون كاتب العدل، الذي ناقش رسالة الدكتوراه بعنوان «أحكام ملكية الدولة العقارية في الفقه والنظام السعودي» المقدمة للمعهد العالي للقضاء، وقد تحدثت الدراسة عن المال العام بشكل عام، وبشكل مفصل عن أملاك الدولة العقارية وأحكامها ووجوب حمايتها في الفقه والنظام والأنظمة والجهات المخولة بحفظ وحماية ملكية الدولة العقارية ولأهمية الموضوع كان هذا اللقاء مع الباحث د. عمر السعدون.. وفيما يلي نص الحوار:
* ما أهمية المال العام في الفقه والنظام السعودي؟
- جاءت الشريعة الغراء في مقاصدها الكبرى بحفظ مصالح العباد: (الدين والنفس والمال والعقل والعرض والنسب) وذلك في الضروري منها والحاجي والتكميلي، ولذلك لا تجد حكمًا تفصيليًا إلا وهو داخل في أحد هذه المقاصد العظام.
وقد اهتمت الشريعة اهتمامًا خاصًا بحفظ المال عامه وخاصه، وشرعت له من الأحكام ما يكفل حفظها وحمايتها، وكان للمال العام اهتمام كبير في أحكام الشريعة، حيث إن المال العام ملك للأمة بمجموعها، والاعتداء عليه اعتداء على مصلحة الأمة بمجموعها في هذا المال، وستكون ذمة المعتدي على المال العام شاغرة بحق عموم الأمة في تعطيل مصلحتها وتنميتها، وإضعاف قوتها بحسب هذا الاعتداء من حيث الجسامة والمقدار.
ومن أهم أنواع المال ما يسمى بالثروة العقارية، التي تعد في هذه الأزمنة من أهم الأموال وأثمنها، فلذلك وجبت العناية بها وحمايتها حماية خاصة من خلال سن الأنظمة الهادفة لحمايتها من الاعتداء عليها بالاستيلاء ونحوه، ومن هذا المنطلق نجد أن المملكة العربية السعودية قد اهتمت اهتمامًا بالغًا في سن الأنظمة الهادفة لحماية وحفظ الملكية العقارية للدولة وذلك من خلال أنظمة خاصة بذلك أو من خلال مواد كثيرة في كثير من الأنظمة المختلفة، ثم جاءت التوجيهات السامية من خادم الحرمين الشريفين ومتابعة ولي عهده الأمين في فتح ملفات الفساد والاعتداءات على أملاك الدولة واستعادة كل أملاك الدولة العقارية المعتدى عليها.
* وما الوسائل المطلوبة لمكافحة جريمة الاعتداء على أملاك الدولة؟
- لا شك أنه من الأهمية بمكان وجود أنظمة تحمي العقار، ولكن الأهم من ذلك الذي يعطي النصوص قيمتها الحقيقية هو التنفيذ الفعلي لهذه النصوص خاصة في ظل الانتهاك الواسع والنهب المستمر للعقار الذي يستدعي بالنتيجة تحريك كافة أنواع الرقابة، التي تعد الرقابة القضائية أهمها خاصة بواسطة التصدي الجزائي لردع وتقويم السلوكيات المنتهكة للعقار وذلك بضبط القاضي لأركان جريمة انتهاك العقار مرتبًا على ذلك النطق بحكم قضائي يحدد نتائج التصدي من حيث العقوبات، ومن أهم ما يميز النظام السعودي أن نظام إزالة التعدي على الملكية العقارية للدولة تتم من خلال التدخل الإداري السريع بالإزالة الفورية من خلال لجان معدة لذلك تشرف عليها وزارة الداخلية.
* وما أبرز النتائج التي توصلتم لها في بحثكم؟
- أهم النتائج هي: للمال العامّ أهميّة كبرى إذ يُعدّ العصب الرئيس للنظام الاقتصاديّ للدّولة، ويشمل المال العام العقار أو المنقول الذي تملكه الدولة أو الأشخاص المعنوية، ويوجد عدة معايير للتفرقة بين المال العام والخاص، والمال العام لا يمكن نقله للأفراد إلا بعد انتهاء تخصيصها -للمنفعة العامة -بخلاف أموال الدولة المخصصة لمنفعة خاصة- ممكن نقلها عن طريق العقد وغيره، والمال العام تتعلق به مصالح الأمة بطريق مباشر - أما أموال الدولة لمنفعة خاصة فمصلحة الأمة غير مباشرة، كما أن العقار: هو المال الثابت الذي لا يمكن نقله وتحويله إلى مكان آخر دون أن تتغير هيئته كالأرض والبناء والأشجار، وتكتسب الدولة ملكية العقار بعدة طرق منها الفيء، والصدقة، والمصادرة، ونزع الملكية الخاصة وغيرها، ويحكم تصرف ولي الأمر في ملكية الدولة ضوابط يحددها الشرع والنظام، وهناك عقوبات حددها الشرع والنظام نتيجة التعدي على الملكية العقارية للدولة والعقوبات الواردة عليه، وهناك وسائل شرعية ونظامية لحماية الأموال العامة العقارية من جرائم التعدي عليها، وإن نظام إحياء الأراضي البور يخضع لنظام رقابي منضبط، وأهم ما يميزه هو محاولة تنفيذ 25 في المائة من المساحة وجعل العقد النهائي من سلطة الملك وحده، وأن الدولة تحمي الملكية العقارية الخاصة كما تحمي الملكية العقارية العامة فكلاهما يعد موارد وثروات عامة للبلاد، وقد عني الإسلام بعمارة الأرض ورعاية الكون عناية خاصة وأولاها اهتمامًا مشهودًا، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون وهيأ فيه الظروف المثلى للحياة السعيدة المستقرة، ثم استخلف فيه الإنسان ليقوم بإعماره، كما راعى الإسلام ضروريات الحياة البشرية بتنوّعها، ولم يتعارض مع فطرة الناس التي فطرهم الله عليها في أيِّ جزئيّة منه، وكذلك لم يُضيّق عليهم في كسب الرزق ما دامَ الرزق من حلالٍ وفي حلال، ونظام إحياء الأرض المتبع في المملكة أفضل بكثير من الناحية العملية والتنفيذية من قانون الإصلاح الزراعي المتبع في بعض الدول العربية، مع أهمية الحماية تظهر في تحقيق بيئة آمنة ومحصنة وخالية من المخاطر، والمحافظة على صحة وأرواح رواد المؤسسة والعاملين فيها، والمحافظة على الممتلكات الخاصة بالمؤسسة أو المنشأة، المحافظة على سلامة البيئة المحيطة بها، وحماية الأموال العقارية للدولة هي بمنزلة حفظ هيبة وقوة الدولة.
* وما أهم التوصيات في بحثكم؟
- أهم التوصيات جاءت بضرورة الإسراع في إصدار نظام حماية المال العام الذي تم دراسته في مجلس الشورى السعودي، ويجب أن يحتوي النظام على أبواب خاصة لحماية ملكية الدولة العقارية، وسن قوانين تشدد العقوبات خاصة في جرائم المساس بالملكية العقارية للدولة والرفع من قيمة الغرامة في هذا المجال لكي تشكل رادعًا للمنتهكين، وتفعيل آليات عمل الجهات المعنية بمعاينة جرائم ومخالفات العقار في البحث والتحري عنه مع وجوب إرسال محاضر المخالفات إلى النيابة العامة لتحريك الدعوى ضد المخالفين، وضرورة تسريع إنشاء المحكمة المختصة بالعقارات وتأهيل القضاة المختصين في مجال العقار للارتقاء بهم لمعرفة الأنظمة والقرارات السامية ومعرفة أعمال لجان الحماية والرقابة الإدارية على العقارات الخاصة والعامة لتهيئتهم للفصل في منازعات العقار بتمكن شرعي ونظامي، وضرورة تشدد القضاة مع مرتكبي جرائم الاعتداء على المال العام العقاري لارتباط هذا الاعتداء بالنظام العام، وتشجيع الشركات الكبرى على استصلاح الأرض البور وزراعتها للنهوض بالزراعة والاستثمار بما يحافظ على الملكية العقارية للدولة، مع وجوب مراجعة طريقة تملك بعض المواطنين لعقارات الدولة وفحصها للتأكد من سلامة الإجراءات التي تمت بها لمعاقبة المتجاوزين وتأييد ملكية أصحاب الإجراءات النظامية السليمة، ومساواة عقوبة التعدي على الملكية العقارية للدولة بعقوبات الجرائم التي تمس أمن الدولة، وتبسيط الإجراءات الخاصة بتملك المواطنين للعقارات المملوكة للدولة بالطرق الشرعية والنظامية للانتفاع بها بالطريق الصحيح.