أمل بنت فهد
لتتمكن من المضي قدماً تحتاج أن تكون خفيفاً من حمولة الماضي، لأن اليوم وتحديداً هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا المقال هي ما تملكه حد التأكد واليقين، أما ما بعده وكذلك الغد فإنه غيب يكشف لك عن نفسه حين تصل إليه، والتحرر من الماضي بكل ما فيه من عثرات، ونكسات، وألم، وجراح، وحتى الأوقات الرائعة كنت تتمنى أن لا تنتهي، والأشخاص الذين صنعوا في حياتك منعطفاً حاداً أو سلساً، كل ذلك يلزمه مصالحة لتخلق خاتمة لما حدث وتمضي.
تلك المصالحة ضرورة مُلحة حتى وإن ظننت أنك انتهيت من الماضي، فبعض الأمور العالقة يلفها الظلام في ذاكراتك حتى لا تراها وتؤلمك، لكنها لا تزال تنبض وتؤثر عليك دون أن تدرك.
ومن أعظم الطرق التي تحررك كأنما ولدت اليوم، طريقة الكاتبة راوندا بايرن في كتابها (السحر) حين وضعت يدها على مكان النزف الذي يقتلنا ببطء وعالجته، إنها تؤكد على مبدأ نسمعه كثيراً ونمارسه دونما إدراك أو نتيجة ملموسة، إذ لطالما شكرنا النعم التي نتنعم بها، لكنه شكر بارد وناقص، وفي كتابها تعلمنا كيف يكون وما هيته، وكيف يمكنه أن يُحدث نقلة كاملة في حياة الإنسان بتمارين بسيطة جداً، لكنها تلمس أعمق الأمكنة التي يصعب الوصول إليها في دواخلنا، ثمانية وعشرون يوماً من التمارين القصيرة والخفيفة، تجعل الامتنان طوق النجاة الأخير الذي يخلص الإنسان من عذابه، وتراجعه، وحزنه، وملله، وضجره.
إنها تعالج ما كان، وما تعيشه اليوم، وكيف تحافظ عليه غداً وتضاعفه، ستعرف كيف تصنع خاتمة الماضي دون نسيانه، أو التحامل عليه، بل على العكس ستقابله من جديد وتصافحه، وتودعه وداعاً أخيرًا، سواء كان هذا الماضي إنسانًا ما، أو تجربة مريرة، أو سعادة فقدت بفعل القدر، أو لأي سبب كان.
ستمسك بمزاجك الذي تفقده قبل أن تتم يومك بسبب صدمات الطريق، وتغير الأحوال، ستعرف كيف تتحكم كلياً بما حولك، وما يحدث معك، أياً كان عمرك، أو حالتك، أو الجحيم الذي تتخبط فيه، فإنك ستتغير، ولن تكون أنت نفسك، بل ستتغير لأفضل نسخة منك، وربما لنسخة فريدة من نوعها لم تعرفها قبلاً.