د. أحمد الفراج
واستكمالاًَ للحديث عن موقف الرئيس ترمب من التصعيد الإيراني، يحسن أن نعرج على تصريحاته، التي تبدو متناقضة، فمرة يبدو وكأنه يبحث عن أعذار لإيران، مثل القول بأن إسقاط الطائرة قد يكون خطأ بشرياً من شخص غبي، ومرة يتوعَّد بأن خيار الضربة العسكرية لا يزال قائماً، ثم يعود ويتمنى لقاء الرئيس الإيراني، ولا يمكن فهم مثل هذه التصريحات المتضاربة، إلا إذا فهمنا شخصية رئيس القوة العظمى، فترمب شخص نرجسي، وهذا متفق عليه بين خصومه وأنصاره على السواء، وبالتالي فإنه عندما يذكر أن إسقاط الطائرة ربما كان خطأ بشرياً، فإنه لا يتودد لإيران، ولا يبحث عن أعذار لها، بل هو يريد أن يجد لنفسه تبريراً، فهو كإنسان نرجسي، لا يتخيل أن إيران ستجرؤ على إسقاط طائرة أمريكية، في ظل وجوده رئيساً لأمريكا، إذاً فالتفسير الوحيد، من وجهة نظره، هو أن شخصاً غبياً فعل ذلك، لأن الإنسان العاقل في إيران يعرف من هو دونالد ترمب، ولن يتجرأ على تحديه!
ترمب ليس مجبراً على التصريحات المتكرِّرة، فكلمة واحدة من رئيس أمريكا كفيلة بأن تهز العالم أجمع، وتذكَّروا أن من أسقط حسني مبارك لم تكن جموع ميدان التحرير ولا قناة الجزيرة، بل تصريح أوباما الشهير، عندما طلب من مبارك أن «يرحل اليوم وليس غداً»، ولكن ترمب لا يستطيع الصمت، ويعجز مستشاروه وأركان إدارته عن كبح جماحه، فهو يتابع ما يقول خصومه، وهم أباطرة الإعلام الأمريكي المتوحِّش، الذين يستطيعون استفزاز أشرس الساسة وأكثرهم ذكاءً وحكمةً، ثم يبدأ بالتغريد، أو يصرِّح تصريحات مستعجلة، ثم إن بعض الإعلاميين المتمرِّسين يعاجلون ترمب بسؤال، وبدلاً من أن يتجاوز الموقف بالصمت، يفتح فمه ويبدأ بالحديث، ومن يكثر كلامه يكثر سقطه، وهذا حدث قبل أيام قليلة، عندما قال إنه يشكر إيران لأنها لم تسقط طائرة أمريكية أخرى، كانت تحمل ركابا! ولو أن أوباما كان مثل ترمب، وتجاوب مع استفزازات قناة فوكس نيوز والمعلِّقين المحافظين، لكثرت هفواته وسقطاته، ولكنه كان يتجاهلهم، ثم يرمي سهماً قاتلاً تجاههم في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، واستطاع بذلك أن ينجو من معظم الكمائن التي نُصبت له، وخلاصة الحديث هي أن ترمب زعيم نرجسي، ومن أراد أن يفهم تصريحاته وتغريداته، سواء تعلَّق الأمر بإيران أو غيرها، فعليه أن يقرأها من خلال هذا الإطار!