د. فوزية البكر
أصدرت مؤسسة الملك خالد الخيرية هذا الشهر (يونيو 2019) تقريرها الشامل الذي منحته اسماً ذا دلاله ثقافية لم نعتد عليها في تقارير مؤسساتنا الوطنية مع درجة عالية من العلمية عبر المقارنة مع أبرز مؤشرات قياس الازدهار العالمية ومقارنتها بما يحدث محلياً.
ويهدف التقرير المذكور إلى تقييم جودة الحياة واستدامة الازدهار في المملكة عبر وضع محددات واضحة لجودة الحالية ومؤشرات متابعة لاستدامة ثروات المملكة الطبيعية والبشرية والاجتماعية وعمل حصر لكثير من المؤشرات العالمية والخروج بنموذج وطني يمكن من خلاله قياس استدامة الازدهار في المملكة من خلال مراجعة الإحصاءات والمؤشرات ذات العلاقة بعدد من نواحي الحياة مثل الشعور بالأمان داخل البلاد ونسبة الدخل والإنفاق والثروة للأسرة والوظائف الأجور ونوعها وتفاوتها بين الذكور والإناث والتوازن بين الحياة العمل بمعني: عدد ساعات العمل التي يعملها السعوديون وغيرهم مقارنة بالمعدلات العالمية والصحة العامة للسعودي مقارنة بالمعدلات العالمية والتعليم والمسكن ونسب الترابط الاجتماعي بين الناس ومدى رضاهم عن حياتهم اليومية ومدى استهلاكهم للمنتجات الثقافية المختلفة المتاحة لهم.
ويقدم التقرير صورة مترابطة تشي بالكثير، فالسعودي مثلاً يشعر بالأمن بشكل عام خلال ممارسة حياته اليومية وذلك بنسبة 97 % ويتمكن من المشي في الليل دون قلق بنسبة 88 % مقارنة بالمعدل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي بلغت 69 %.
وتأتي أهمية الشعور بالأمان وخاصة في فترتنا التاريخية الحالية التي يسيطر فيها الاضطراب والصراعات على معظم المناطق العربية والإسلامية للأسف كما تنتشر الجريمة والقتل في الكثير من الدول الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة التي تشهد تصاعداً غير مسبوق في نسب انتشار الجريمة حتى بين طلاب المدارس الثانوية إلى الدرجة التي دفعت الكثير منها إلى وضع أجهزة ترصد كما في المطارات يمر منها الطلبة قبل دخولهم المدرسة للتأكد من عدم حملهم للسلاح.
أما في ما يخص الوظائف والأجور ونسب البطالة فيشير التقرير إلى مشكلات هيكلية كبيرة يعاني منها سوق العمل السعودي بسبب تدني جودة التعليم والتدريب وبسبب عوامل ثقافية وشخصية تؤدي إلى اختلالات واضحة في سوق العمل، وفي نسب البطالة بين الذكور والإناث.. فعلي سبل المثال يوجد 1 من كل عشرة ذكور من الشباب خارج العمل والتعليم في حين هناك 1 من كل خمس فتيات هن كذلك حيث بلغت نسبة البطالة بين الإناث 23.5 % مقابل 6.6 % بين الذكور.
وتؤدي الاضطرابات النفسية في المملكة إلى أهدار المليارات من الريالات إضافة إلى تدني مستوي الشعور بالرضا عن الحياة حيث يتعرض 45 % من سكان المملكة إلى أحد الاضطرابات النفسية كالخوف والرهاب الاجتماعي والقلق من الأماكن العامة وأغلبهم المصابين هم من النساء والشباب الذين يهدرون ساعات كثرة من التعليم أو العمل أو مع أسرهم أو يفقدون نصيبهم من التمتع بالحياة، إضافة إلى تكلفة العلاج العالية (إذا وجدت).
وفي مجال التعليم تقدمت المملكة على كافة الدول النامية بتحقيقها للدخول الكلي لكل طفل ذكر كان أو أنثي في سن التعليم إلى المدرسة وسيكون لذلك مردود مستقبلي في القضاء الكلي على الأمية وفي ارتفاع المستويات الاقتصادية والاجتماعية للأسر أينما كانوا في القرى والأرياف والمدن.. ويتوقع أن يبقى الأطفال في المدرسة لمدة لا تقل عن 12 عاماً، وهذا أعلى من المعدل العالمي الذي يقف عند 11 سنة دراسية، ومع ذلك يفقد السعوديون للأسف عما يعادل 4 سنوات دراسية، وذلك بسبب تدني جودة التعليم الفعلي المقدم لهم سواء عاد ذلك لعدد الأيام المهدرة أو لتدني جودة التعليم المقدم في الفصول الدراسية، والذي تعكسه نتائج الطلاب في الاختبارات العالمية وفي قدرة مخرجات هذا التعليم على تزويد خريجيه بما يحتاجونه فعلاً لسوق العمل أو تزويدهم بالمهارات التفاعلية والقيم الإنسانية التي يحتاجونها لخوض غمار هذا العالم المتصارع بسلام. كما أشار التقرير إلى تدني نسبة الأطفال الملتحقين برياض الأطفال والتي لم تتجاوز 37 % من الأطفال مقارنة بالبلدان ذات الدخل المرتفع التي تصل إلى 93 %.
شكراً لمؤسسة الملك خالد الخيرية التي تحاول مساعدة المشروع الحضاري لوطننا عبر برنامج رؤية 2030 لتقديم مثل هذه الدراسات العلمية الدقيقة التي ستمكننا جميعاً من التفكر في مسارات حياتنا الشخصية واختياراتنا؛ كما ستمكن صانع القرار من فهم مدى نجاح برامجه في تحقيق أهداف الرؤية.
ولنا عودة الأسبوع المقبل لسبر غور بعض المؤشرات الاجتماعية المهمة التي حفل بها التقرير،،،