العقيد م. محمد بن فراج الشهري
بشكل لافت ومخيف أصبحت ظاهرة (الطلاق) متفشية في المجتمع السعودي، وظهور إحصائيات مهولة (56703) في عام واحد تصدر فيها شهر محرم وشهر ذي القعدة النصيب الأوفر من حالات الطلاق، خلال عام 1438 هـ وهذا الأمر مَرَّ على المجتمع وكأنه شيء عادي، فلم نر من يتصدى لهذه الظاهرة المحزنة من رجال الفكر، والعلم الشرعي والنفسي والطبي وكذلك الإصلاحيين وأئمة وخطباء المساجد، والمصادر التوعوية الأخرى.. إن هذه القضية إذا استمرت على هذه الحالة فسيصاب المجتمع بخلل أسري وتفكك على المدى القريب والبعيد، زيادة على ما خرجت به وسائل التكنولوجيا الحديثة من أشياء مساعدة على تدهور هذه الحالة.. يحز في نفسي ونفس كل مواطن عاقل أن نرى شابة لم يمض على زواجها عام وإذا بها مطلقة وأخرى ترملت وهي شابة، وكذلك استهتار بعض الشباب بموضوع الزواج، وخاصة ممن يجدون كل شيء موفرًا لهم فبذلك لا يكترث إن طلق وأخذ بديلاً، وهكذا ثم أن هنالك في نظري العديد من الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة متفشية إلى هذه الدرجة، أولها عدم تهيئة الفتاة في منزلها قبل الزواج، وتأهيلها التأهيل اللازم، حيث إن أغلب الفتيات لا يعرفن باب المطبخ، ولا تعلم كيف تدير بيتها الجديد في الحياة الزوجية، وعدم صبر الشباب على الزوجة ومحاولة مساعدتها والأخذ بيدها حتى تتعلم ما هو مطلوب منها. ثانيًا الارتباط العملي سواء كانت مُدرسة أو طالبة مما يعرقل كثيرًا من الأمور المنزلية ويخلق كثيرًا من المشاحنات على الرواتب وغيرها. ثالثًا المفاخرة وكثرة المتطلبات المكلفة نتيجة المغريات الكثيرة في الأسواق حاليًا جعلت من العلاقة بين أفراد المجتمع فيها نوع من المباهاة في أمور غير لازمة، فارتفعت درجة المفاخرة حتى أصبحت عبئًا ثقيلاً على أغلب أفراد الأسر، كذلك اختلاف العادات والتقاليد بين الزوجين، والغضب والانفعال، وعدم قبول الرأي الآخر، وارتفاع أسعار المعيشة، والعنف من قبل الأزواج ضد الزوجات، والإدمان وسوء الاختيار من قبل أهل الزوج والزوجة، مما يتسبب في حدوث الطلاق، والمباهاة في إقامة حفلات الزواج الباذخة، وتحميل العريس مديونيات بالآلاف، إضافة إلى فارق السن بين الزوجين أحيانًا والبخل الشديد لدى بعض الأزواج... لذلك نجد أن ملف الطلاق شائك ويحمل مسببات أخرى كثيرة منها الاقتصادية، والاجتماعية والسلوكية، والنفسية، والجنسية، وكل هذه المسببات تؤدي إلى حدوث شرخ في العلاقة بين الطرفين الجديدياللذين دخلا في بداية بناء بيت الزوجية، وكذلك الوضع الاقتصادي الذي يشتمل على الدخل الشهري للزوج الذي يبدأ في فتح بيت الزوجية، يؤثر كثيرًا في هدم العلاقة الزوجية، فهناك تكاليف مضافة يتسبب فيها أو بها الفكر المجتمعي، مثل المبالغة في تجهيزات مستلزمات الزواج من حفلات، وأثاث منزل، والتدخلات الخاصة من قبل الأهل جراء الفكر الخاطئ في إدارة بيت الزوجية، الذي بات يدار من الخارج وليس من قبل الطرفين أنفسهما، كذلك من الأسباب الأخرى أن بعض الأزواج يرغب بأن تكون الزوجة مثل أمه تعاملاً مع أبيه وبالمقابل الزوجة ترغب بالزوج أن يكون مثل أبيها في تعامله مع أمها أو معها وهذا لا يمكن أن يكون... كذلك عدم إتباع النواحي الشرعية في موضوع الزواج اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والأغلبية يتناسون هذا الموضوع وهو الركن الأساسي في الحياة الزوجية، كذلك زواج بعض الشباب في سن مبكرة جدًا يكون فيها الشاب في طور النضوج الأول، وبعض العادات القديمة مثل الولد لبنت عمه والبنت لولد عمها، كذلك عدم وجود مراكز أسرية في كل مدينة ومحافظة تساعد على ترابط الأسرة وتسهل للزوجين السير نحو الطريق الأسلم، وأيضًا بعض الفتيات تتخيل أشياء قبل الزواج بعيدة عن الواقع وكأنها تعيش في أفلام خيالية بعيدة عن الواقع مما يزيد تعثرها وتقصيرها مع بداية الحياة الزوجية الحقيقية، ومن الأسباب الإضافية الأخرى التي تساعد على تفشي ظاهرة الطلاق عدم الالتزام بالضوابط الشرعية في رؤية المخطوبة، وكذلك إخفاء بعض العيوب الخِلقية عند أحد الزوجين، كذلك إهمال أحد الزوجين الفروض الدينية والتشبه بغير أبناء دينه وعقيدته ومنها أيضًا عدم معرفة أحد الزوجين بالضوابط الشرعية للطلاق (مثل متى يقع، وأحكام العدة، ونحو ذلك) ثم أيضًا عدم الدقة والحرص عند الاختيار مما يسهل عملية الطلاق فيما بعد، وعدم الحرص على اختيار الزوج المناسب وعدم قدرة الزوجين معًا على تحمل أعباء الحياة، وكذلك أثر الرفاق في التدخل في حياة الزوجين. كذلك إحساس كل من الزوجين بالكبرياء وعدم الاعتذار عند حدوث أي خطأ من أي طرف، ثم عدم قيام الزوجين بحق القوامة، وعدم الصبر والحكمة عند حدوث المشكلة، كذلك علاقة الزوجة السلبية بأهل زوجها، ومقارنة الزوجة حياتها الأسرية بالأسر الأوفر منها حظًا، كثرة خروج الزوجة من المنزل وكثرة سفر الزوج إلى الخارج دون حاجة، عدم تفاهم الزوجين في عملية الصرف والادخاروعدم تنظيم ميزانية بذلك، فالكل يصرف دون تنظيم أو ترشيد مما يؤدي إلى تراكم الديون كذلك غلاء المهور والعديد من الأسباب التي يجب أن توضع لها دراسات وندوات ونقاشات، وحوارات وتقييم العوامل المؤثرة في ارتفاع ظاهرة الطلاق في كافة مدن ومحافظات المملكة، والتصدي لها بكل حزم، ويجب ن ندق أجراس الخطر حول هذه الظاهرة التي لا تبشر بالخير لا على الفرد ولا على الأسرة ولا على المجتمع، فهل يا ترى نجد من يقوم على هذا العمل؟ من رواد التربية والفكر وعلم النفس والإخصائيين الاجتماعيين ورجال الدين وكل من بيده حل؟ وهل يعي الآباء والأمهات والشباب خطورة هذه الظاهرة؟ فيحاولون المساعدة على عدم تفشيها ويعيدون النظر في تصرفاتهم، والأساليب التي تزيد من حدة هذه الظاهرة.. لا بد من عمل ولا بد من جهود لوقف هذا المد الخطير، وعلينا جميعًا التنبه لخطر ما قد ينتج عن تزايد حالات الطلاق في مجتمعنا ونحاول قدر المستطاع وقفها بكل الوسائل إذا كنا نعلم أن أبغض الحلال عند الله (الطلاق) والله الهادي إلى سواء السبيل...