ياسر صالح البهيجان
الرسم على الجدران أو ما يُعرف بـ«الجرافيتي» سلوك فنيّ يمنح الأسمنت الأصم سمات الحياة إن جرى توظيفه في إطار مؤسسي يراعي الذوق العام ويحكي ثقافة المجتمع وقضاياه. وتبني ذلك النوع من الفنون في الأماكن العامة من شأنه أن يرتقي بذائقة الأفراد الفنيّة، وبالإمكان تحويله إلى وسيلة تحد من انتشار الكتابات المشوِّهة والعشوائية التي تُعد جزءًا من التلوّث البصري في المدن.
مجتمعنا حافل بالإرث الثقافي والحضاري الذي يمكننا تجسيده على هيئة «جداريات» تزيِّن أماكننا العامة ومحطات النقل والجسور، لتتحوّل الجدران إلى حكاية تروي للأجيال الجديدة وتعرِّف الزوار بما مرَّ على وطننا من أحداث وتحوّلات أسهمت في تقدّمه، منها القصّة العظيمة لتوحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- وتضحيات جنودنا البواسل على مرّ السنين، وقصص بداية الإذاعة والتلفزيون، وانطلاق التعليم للبنين والبنات، وغيرها من الأحداث التاريخية التي يمكن توثيقها بطريقة إبداعيّة على الجدران.
أجزم بأن وزارة الثقافة برئاسة الأمير بدر بن عبدالله تولي جانب الفنون أهميّة كبرى، والاتجاه إلى تبني فن الرسم «الجرافيتي» سيعد نقلة نوعيّة في عمل الوزارة؛ لأنه من الفنون المرئية على نطاق واسع، ويختلف عن أنواع الفن الأخرى التي عادة ما توضع في الصالات المغلقة والمتاحف الفنيّة الموصدة، إنه فن يتخذ من الفضاء العام لوحةً له، ومن هنا يكتسب أهميته في ترسيخ ثقافة الاحتفاء بالفنون، فضلاً عن دوره الجمالي الذي يصب بطريقة أو بأخرى في تحسين جودة الحياة في المدن وجعلها أقرب ما تكون إلى الإنسان ووجدانه.
لدينا المئات من الشباب المتخصصين في الفن «الجرافيتي» والقادرين على تحويل أفكارهم الوطنيّة إلى لوحات مبهرة، وينتظرون من الجهات المعنيّة منحهم تلك الفرصة ليؤكدوا بأننا مجتمع ينبض بالحياة ويحفل بالفنون ويبارك انتشارها في كل مكان.
التوجه نحو الفن «الجرافيتي» خطوة مناسبة للغاية في ظل اتجاه المملكة نحو استقبال السيّاح من الخارج بشكل أكبر في إطار برامجها الوطنية الهادفة إلى تحويل مدننا إلى وجهات سياحية رئيسية في المنطقة، لذا ستلعب «الجداريات» دورًا جماليًا بارزًا في هذا الجانب، وستكون جزءًا من منظومة متكاملة تسهم في إضفاء طابع الحيوية على الأماكن العامة، كما ستقطع الطريق على أولئك الذين يسعون إلى تشويه الفضاءات غير المستغلة بالكتابات الخارجة عن الذوق العام.