د. محمد عبدالله العوين
كتبت قبل عام في 7 مايو 2018م مقالا في هذه الزاوية بعنوان مباشر (لماذا ألغيت الثقافية؟!) تساءلت فيه عن الأسباب والدواعي التي حدت رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى إصدار قراره غير الحكيم بإلغاء قناة الثقافية بدون أن يصدر تبريرًا أو اعتذارًا للمثقفين وأبناء الوطن بعامة عن خطوته المتعجلة تلك، ودون نشر بيان يعد فيه بإعادة بثها من جديد بعد وضع خطة تطويرية متكاملة وتأسيس بنية تحتية شاملة تهيئها للانطلاق بقوة منافسة ومستقطبة.
وكأن الهيئة لا ترى ولا تسمع ولا تتأثر بما يكتب هنا وهناك في الصحف الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل، فلم ترد على ما أثير من تساؤلات، أو كأنها تعمل في مؤسسة خاصة؛ وليست هيئة حكومية تعمل لصالح الوطن وتبث رسالته وتخدم أهدافه السامية النبيلة وتعرف العالم بما ينطوي عليه من غنى وثراء وتميز في الفكر والآداب والفنون، وما يتكئ عليه من أطوار حضارية عميقة ممتدة ومؤثرة في التاريخ البشري.
لقد صمتت الهيئة وصمت الكتاب معها انعكاسًا للعلاقة الفاترة بين الطرفين؛ لكن همة ونشاط وطموحات ومشاريع «وزارة الثقافة» الكبيرة بقيادة فارسها الأمير الشاب بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود أوقدت الحماسة من جديد في نفوس المثقفين بما أنشأه من روابط صلة وثيقة مع رموز ونماذج منتخبة من الوسط الثقافي والفني من خلال تلك الحوارات الشاملة المفتوحة معهم، لسماع أفكارهم والإنصات إلى رؤاهم وتدوين معوقات العمل الثقافي والفني، مما يسر الوصول إلى وضع تصور شامل نتج عنه إطلاق وزارة الثقافة خطتها الموسعة والدقيقة المنطلقة من رؤية المملكة 2030م بما حفلت به من آمال ومشاريع ونقلات واسعة للانتقال بالوطن سريعا خلال عشر سنوات إلى الصف الأول بإذن الله في جميع المجالات؛ بنية تحتية عميقة وصلبة، وصناعات ثقيلة متقدمة، وإنجازا متميزا في الفكر والآداب والفنون والفلكلور والتراث الشعبي.
ولا شك أن همة سمو أمير الثقافة التي تستمد طاقتها من قائد التغيير والعقل المدبر الدافع للرؤية الطموحة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- هي ما تفتح أمامنا أبواب الأسئلة مشرعة لتبادل الآراء والبحث عن إجابات والسعي إلى ما يفيد ويثري الوطن في الجانب الثقافي والفني، كأننا في جلسة حوارية موسعة مع سمو وزير الثقافة كعادته في حواراته مع المثقفين والفنانين.
ولعل مقال الزميل العزيز الدكتور محمد الفيصل الذي نشر يوم الثلاثاء الماضي 18 يونيو 2019م في هذه الصحيفة ينطلق من هذا الشعور؛ شعور الثقة في تبادل الآراء ومكاشفة المسؤول بما يقلق.
إن قرار الهدم سهل جدا؛ لكن قرار البناء هو التحدي والإنجاز، يمكن كتابة قرار التعطيل أو الهدم أو الإزالة بسطر واحد؛ لكن قرار البناء يحتاج إلى تفكير طويل وعمل دؤوب سنوات عدة ومتابعة مستمرة لتطوير ما بني.
كان وأد (الثقافية) بدون بديل مع الأسف، وكان قرار (الثانية) ببديل؛ فغابت الاثنتان معا إلى الأبد!... يتبع