زكية إبراهيم الحجي
ورقة كزبرة البئر المعمرة القادمة من الشرق إلى حديقتي تُخبئ لي وللراغبين بالمعرفة كنزاً سرياً مدهشاً.. بلغة بليغة وكناية ساحرة جسد الشاعر الألماني»غوته» سر عشقه وافتتانه بالشرق الإسلامي.. وأن التلاقي والتفاعل بين ثقافة الشرق والغرب نُقِلت منقوشة حروفها على ورقة كزبرة خضراء معمرة لتعبر المسافات على متون الأفق وتحط بكل ألقها في فراديس الأدب الغربي.
غوته شاعر ألمانيا العظيم هو أحد أيقونات الثقافة والإبداع في أوروبا ومن أشهر أدبائها المتميزين.. ترك إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت تعتلي أرفف المكتبات العالمية تقتنيها كواحدة من ثرواتها وكنوزها نظراً للمكانة التي مثلها «غوته» في ساحة الأدب العالمي.
ولد غوته في مدينة فرانكفورت الألمانية لعائلة ثرية وكان طموح والديه أن يريا ابنهما مثقفاً.. عالماً ومتبوئاً مركزاً مرموقاً في دولته فلم يبخلا على طفلهما بالتعليم.. فدرس الأدب والعلوم والقانون.. وفي الجامعة بدأت موهبته الأدبية في الظهور فألف «شركاء في الجريمة» التي تحدث فيها عن العادات السيئة في المدن الألمانية.
أفتُتِن غوته باللغة العربية وأشعارها ومعلقاتها.. كما صحِب ألف ليلة وليلة وصَحِبتْه من صباه إلى شيخوخته المتأخرة فكانت نعم الصحبة، حيث أثرت حكاياتها الساخرة تأثيراً واضحاً وصريحاً على معظم أعماله.. فشهرزاد وكنوز حكاياتها البديعة رأى فيها صوراً من الجمال والحكمة والمتعة ما جعله يغرفُ ويستقي من كنوز أدب الصحراء العربية ليقينه بأنها تختزن بين كثبانها الناعمة قصص الحب والهيام وشعر الغزل والفخر.. المدح والهجاء.. الحكم والأمثال.. وكل ما يميز العربي ابن الصحراء والمدهش كما تروي الكتب أنه تعلق بكنوز طاغية الجمال ألا وهي»المعلقات».
ونظراً لانبهاره وتأثره بجمال اللغة العربية قال عنها: «ربما لم يحدث في أيّ لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية.. إنه تناسق غريب ومدهش في جسد واحد.. إنها تروي الروح المتعطشة للعلم والمعرفة.
وارتقاءً بالأدب والثقافة والميل إلى التلاقح الثقافي بين الشعوب سلك غوته طريق الحوار لتواصل رائع بين الشرق والغرب.. ومن خلال هذا الطريق ظهرت فلسفته التي صهرت تفاصيل الشرق في قصائده المتعددة وقوافيه النفيسة.. الهام كبير استوحاه «غوته» من الثقافة العربية والإسلامية.. مجد الشرق على أنه يوتوبيا زاخرة.. ورسم لوحة شعرية عنوانها «الهجرة» نُقِشت حروفها بأنامل شاعر مبدع متذوق «إنها جنة الشرق المفقودة» فلتهاجر إذاً إلى الشرق الطاهر الصافي كي تستروح نسيم الآباء الأولين.