د. محمد بن إبراهيم الملحم
صدر تعميم معالي وزير التعليم -وفقه الله- لتنظيمات الهيكل الجديد لوزارة التعليم حاملاً معه الكثير من الطموحات والرؤى المستقبلية، حيث اتسم هذا الهيكل والذي وافق عليه مجلس الوزراء الموقر بنظرته الإدارية العميقة لدور الوزارة في إدارة عمليات التعليم العام والتعليم العالي، حيث حرره من تبعات عدم الوضوح في الهيكل السابق وأبرز الدور القيادي للوزير في التعامل مع الرؤى الإستراتيجية أكثر من تلك الإدارية البحتة، وأعتقد أن الدليل التنظيمي (والذي اطلعت على أجزاء كثيرة منه) سيكمل الصورة في توجيه العمل في إطاراته التي هدف لها الهيكل ويساعد المنفذين لهذا الهيكل على السير به في اتجاهه الصحيح، فقد كتب بطريقة واضحة وجيدة.
وأتمنى أن تحرص الوزارة الموقرة على وضع أدوات محكمة التصميم لتقييم أداء هذا الدليل من حيث التقيد به ومن حيث رصد مشكلاته ونواقصه لتحديثها في نسخ قادمة، وهذا تحت حكم أن أيّ منتج جديد بحاجة ماسة إلى التقييم المستمر الموثوق، بل يكاد يكون أهم نقطة في هذا المسار، وخاصة أن مقدمة معالي الوزير للدليل واعدة بصدور مزيد من التنظيمات التفصيلية للوحدات الأصغر حجماً ومزيداً من السياسات وهذه رؤية طموحة رائعة نسأل الله لها التوفيق بقيادة ومتابعة معاليه.
الدليل التنظيمي بهذا التفصيل هو أولاً علامة من علامات الجودة الشاملة والتي توصف بلغة بسيطة كالتالي: أكتب ما ستفعل ثم افعل ما كتبته. كما أنه جزء من ثقافة المنظمات الناجحة، وهو يعطي ملمحاً من ملامح المسؤولية التنظيمية، وبقدر ما يكون تفصيليا شديد الوضوح بقدر ما يكون دليلاً ناجحاً فعالاً، ولقد أقر مجلس الوزراء الموقر الهيكل بيد أني سألفت الانتباه إلى جوانب بسيطة أبرزها تسميات نواب الوزير، حيث سُمي ذلك المشرف على الجامعات تسمية كاملة وذلك المشرف على التعليم العام سمي «نائب الوزير» فقط وأعتقد أن منسوبي الوزارة لن يجدوا بُدّا أثناء تعاملهم اليومي من أن يقولوا لبعضهم «نائب الوزير للتعليم العام» لسرعة التعريف والتأكيد على الوضوح للتفرقة بين الاثنين، كما أن تسمية «نائب الوزير للجامعات والبحث والابتكار» بهذه المفردات الثلاث استغراق لا داعي له، بينما هو يرعى قضية أخرى لم تذكر بجوار الجامعات والبحث/الابتكار ألا وهي الابتعاث!.. ولذا ربما يجدر الاقتصار على عبارة جامعة مانعة لها كلها هي «التعليم الجامعي» أو «التعليم العالي»، حيث يشملها جميعاً ويناظر في الوقت ذاته «التعليم العام» في الطرف الآخر. وفي نفس السياق سيكون جيداً وضع تعبير مشابه لمساعد الوزير فيكون «مساعد الوزير للتشغيل»، فتعبير التشغيل هو ما يعبر عن كل الشئون التي يرعاها من مالية وموظفين ومستودعات ومباني وصيانة فكلها هدفها تشغيل الوزارة ومدارسها لتدور العجلة.
هناك ملمح آخر حول استخدام الهيكل لمستوى «الإدارة العامة» لشئون لا يمكن الجزم بديمومتها مثل «التحول الرقمي» و»برامج الابتعاث» و»المبادرات النوعية»، حيث يمكن في المستقبل القريب (5 إلى 10 سنوات) أن يحدث اكتفاء وتتوقف الحاجة إلى هذه الوظائف وبالتالي فإن الأفضل هو جعلها تعمل بمستوى مركز أو برنامج، بالنسبة لإعادة الهيكلة فمع وجود توزيع جيد لوظائف القيادات العليا فلا يمكن لمسها بقوة في مواضع ذات إشكال معروف في تاريخ هياكل الوزارة السابقة فمثلا ظل الإشراف التربوي مفصولاً بإدارة عامة للبنين وإدارة عامة أخرى للبنات كما أن هناك قلقا واضحاً نحو دمج الإشراف التربوي على مرحلة الطفولة المبكرة ضمن الإشراف التربوي عموماً وهي متلازمة قديمة لم يحلها هذا الهيكل، وإن كنت أعتقد أنها مرتبطة عضوياً بمتلازمة عدم فصل الإشرافيين (البنين والبنات)، وعندما أشير إلى دمج هذين فلا أريد أن يفهم منه أني أدعو إلى أن يشرف المشرف التربوي في المنطقة التعليمية على مدارس البنات والعكس وإنما في يكون التوحيد في مستوى القيادات لتتوحد السياسات والإجراءات وطريقة متابعتها وتقييمها بين كل من مدارس البنين والبنات على حد سواء.
كما ظلت وكالة التعليم في أزمة أخرى حيث سميت بوكالة «التعليم العام» وهذا يشعر أن كل ما يخص التعليم العام هنا بينما الوكالات الشقيقة لديها شئون مهمة للتعليم العام أيضاً! لذا كان الأجدر أن تسمى هذه الوكالة بوكالة الإشراف التربوي لأن كل ما تحتها هو إشراف باختلاف أنواعه واهتماماته: الإرشاد، النشاط، التعلم، الطفولة المبكرة، تقييم التحصيل.
ولي عودة إلى مهام إدارة الإشراف بحسب الدليل التنظيمي الجديد وبعض الأمور الأخرى سأتناولها المقالة المقبلة -بإذن الله-.