ياسر صالح البهيجان
وفق إحصائيّات رسميّة فإن عدد المتقاعدين الأحياء في المملكة من الذكور والإناث يناهز المليون، (614 ألف متقاعد لدى المؤسسة العامة للتقاعد، 370 ألف متقاعد لدى التأمينات الاجتماعية)، ولا شك فإن نسبة ليست قليلة من هؤلاء لا يزالون قادرون على العطاء ولديهم من الخبرات والتجارب العلمية والعملية ما يحتاجه الملايين من الشباب الذين يشكلون النسبة العظمى من إجمالي تعداد السكان في وطننا، وهو ما يدفعنا إلى القول إن تلك الطاقات الخبيرة تعد مهدرة ولم يجرِ توظيفها على النحو الأمثل.
ثمة مجالات متعددة تناسب شريحة كبرى من المتقاعدين كالاستشارات وتقديم الدورات التدريبية ونقل الخبرات إلى الأجيال الشابة، وأجزم بأن المعارف التي لديهم من شأنها أن تغني العديد من الجهات الرسمية والأهلية عن استقطاب شركات أجنبية دافعها الرئيس هو التكسّب وجني الأموال دون أن تأبه بالأثر الذي بإمكانها أن تخلّفه لدى الشباب، وهو عكس خبراتنا الوطنية من المتقاعدين الوطنيين الذين يهمهم قبل أي كسب مادي الارتقاء المعرفي في مجتمعهم وتحقيق النماء والازدهار في مختلف المجالات.
ماذا لو كان لدينا برنامج تدريبي وطني تشترك في تنفيذه وزارة التعليم ومؤسسة التدريب التقني ومعهد الإدارة العامة ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية يُعنى باستقطاب الكفاءات من المتقاعدين القادرين على العطاء ويُطلق من خلاله آلاف الدورات التدريبية سنويًا في مختلف مدن ومناطق المملكة في شتى القطاعات، حتمًا سيحدث في وطننا نقلة نوعية في مجال التدريب ونقل الخبرات، وسيجد الشباب فرصًا كبرى لتنمية مهاراتهم وقدراتهم لمواجهة تحديات سوق العمل وما تتطلبه المرحلة من إمكانات.
مثل هذه الخطوة لها انعكاسها الإيجابي على الاقتصاد الوطني. المتقاعدون سيحققون عوائد مالية مجزية تساعدهم على تحمل أعباء الحياة، والشباب سيمتلكون مهارات أكثر كفاءة تعينهم على أداء المهام بإنتاجية أكبر، وستنخفض فاتورة الدورات الخارجية التي يتلقاها موظفو الأجهزة الحكومية وبعض موظفي القطاع الخاص، وسنخلق سوقًا تدريبيًا ضخمًا ومنافسًا على المستوى المستويين الإقليمي والدولي، والأهم من ذلك أننا حينها سنكون قد استفدنا من ثرواتنا البشرية حق الاستفادة، وأوجدنا وعيًا جديدًا يبرهن على أن التقاعد يُعد نقطة بداية لحياة أخرى حافلة بالإنجاز والعطاء لا تقل أهمية عن الحياة قبل التقاعد إن لم تتجاوزها في القيمة والأثر.