د. فوزية البكر
10/10 هو يوم تاريخي بحق، لأنه يعني نهاية حقبة صعبة في حياة كل امرأة سعودية، ويعني نهاية جدل استمر أكثر من عشرين عاما ضاعت فيه حيوات وجهود نساء كثيرات، وأهدر المجتمع جهده المالي والقانوني والفكري في نقاش مسائل تبدو اليوم غاية في البساطة، ولهذا يستحق هذا الحدث المفصلي الكتابة عنه، لأن الأمر في الحقيقة لا يتعلق بتسنم المرأة مقعد القيادة بل يعني أكثر بكثير من ذلك رمزيا وتطبيقيا. فالقيادة هي التمكين والثقة والقدرة على التصرف بشكل مستقل إذا ما احتاجت المرأة إلى ذلك وهي تدير منزلها وأطفالها وسواء كانت مع زوجها أو مطلقة أو أرملة فهي تتمكن من التحرك لقضاء شؤونها وترتيب مسار يومها كما يفعل كل البشر على هذه الأرض دون جدل. ألا يبدو ذلك مذهلا في عالمنا الذي أشغلته الصحوة بتفاصيل المرأة طوال عقود؟
تقول الأستاذة هند الزاهد وكيلة وزارة الخدمة المدنية لتمكين المرأة في تغريدتها المنشورة بتاريخ 13 يونيه الحالي: مرت سنة ونعم بكيت.. سنة على بدء قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية، بكيت عندما صدر القرار وبكيت عندما قدت لأول مرة إلى عملي، بكيت حزنا على كل السنوات التي كانت فيها نساء واقفات مكتوفات الأيدي لا يستطعن الوصول إلى عملهن.
وتقول في تغريدة تالية : بكيت فرحا لهذا التقدم في حقوق المرأة في وطني وبكيت فخرا فنحن على الطريق الصحيح لتنمية هذا البلد، وبكيت امتنانا للملك سلمان ولقائد الرؤية الأمير محمد بن سلمان لهذا القرار التاريخي.
وكتبت العنود الرماح عضو مجلس غرفة الشرقية : قيادة المرأة ساهمت في حل معضلات كثيرة ومنها : الحد من جرائم التحرش، حماية الأطفال، الحد من استقدام السائقين، مواجهة الطوارئ، مساندة الأهل، مساعدة محدودي الدخل، أنصاف المرأة العاملة.
وتقول شابة في تغريدة لها : (تبدو مرفهة!) لكن لكلامها دلالات قوية على الفعل اليومي الطبيعي مثل كل شاب وشابة في عمرها الوردي :
أمس صاحية بدري صباح الجمعة ودخلت فوكس سينما وحجزت أشوف فيلم في سينما المملكة بالرياض، سقت سيارتي وربع ساعة على ما وصلت. وشفت الفيلم.. وتكمل : تفصيلة تبدو بسيطة لكنها كانت مستحيلة جداً قبل سنوات.
نعم هذا ما كنا نفتقده : الطبيعية لكلا الجنسين وحين جاء مشروع السعودية الطموح جدا لتغيير القيم الاجتماعية والثقافية التي كانت تعيق نهضة البلاد: انتهى فجأة ذلك التشنج الخاص بالمرأة الذي كنا نلحظه في كل مكان حين تظهر المرأة، حيث كان الشغل الشاغل للرجل هو عزلها قدر الإمكان في حين كان الشغل الشاغل للشباب والمراهقين هو تصيد وجودها أينما كانت، لذا لم تسلم المرأة من التحرش في كل مكان وجدت فيه سواء كان مدرسة أو مستشفى أو شارع أو سيارة.
اليوم فجأة وبعد أن فتح الباب على مصراعيه لتوظيف المرأة في كل القطاعات ووضعت القوانين المشددة ضد أي نوع من التحرش وممن كان، وكأن مياهاً باردة صبت فجأة في الذهنية السعودية وتحديدا في عقل ورؤية الرجل للمرأة السعودية، فلم يعد معنيا بوجودها سواء في الشارع أو أماكن التسوق أو أماكن العمل، وانتهي التضخم المزعوم بخصوصية (الوضع السعودي) وأعادت الرؤية السعوديين ليكونوا جزءاً من العالم بحلوه ومره.
وكجزء من هذا العالم الطبيعي الذي نرفل فيه اليوم ذهبت إلى مدرسة ابني القديمة قبل رمضان بقليل للحصول على بعض أوراقه، فاستقبلني الحارس وسمح لي (دون مجادلات ومفاوضات كما كان الأمر في السابق والتي كانت تنتهي بالرفض غالبا لدخولي المدرسة، عدا حساسية ابني التي كانت لا تطاق بسبب خوفه من أن يري أحد من أعضاء المدرسة أمه أو يعيره أحد من الطلبة بذلك).
هذه المرة قادني الحارس إلى غرفة المدير وخلال الطريق عبرت غرفة الإداريين السعوديين الذين لم يعيروا الأمر أي انتباه لوجود امرأة بعباءة بينهم، ودخلت الإدارة كما أفعل مع مدرسة ابنتي وطلبت الأوراق وكادت عيناي تدمع فعلا لطبيعية ما يحدث مقابل التعسف الهائل الذي كانت النساء يجدنه في مراجعة مدارس أبنائهم من الذكور في حال انشغال الأب أيام الصحوة السوداء، فدعوت بالحفظ والسلامة لأميرنا الشاب الذي مكنني من قيادة سيارتي إلى المدرسة والتوقيع باستلام أوراق ابني والذهاب إلى بقالة الخضار للتسوق كما تفعل كل النساء في كل مكان في العالم.
شكرا لك ملكينا الحبيب وشكرا لقائد مسيرتنا وتغييرنا ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان، وشكرا لكل جهود نساء بلادي في كل بقعة من هذه الأرض الطاهرة والتي حفرت في الصخر للتمهيد والتهيئة بالتفكير والقبول بين أفراد المجتمع لقبول قيادة المرأة السعودية للسيارة.
حفظ الله هذا البلد آمناً مستقراً.