محمد سليمان العنقري
التمويل هو الركيزة الأساسية لنمو أي نشاط اقتصادي ويمثل توجه الأفراد للاقتراض مؤشر رئيسي على توجهات أنشطة اقتصادية عديدة فنمو القروض الاستهلاكية للأفراد يدل على أن نشاط قطاع التجزئة والخدمات يمر بأفضل حالاته والأمر ذاته ينطبق على أي نوع من توجهات التمويل.
في آخر المعلومات عن سوق التمويل للأفراد في المملكة بلغت القروض الاستهلاكية 337 مليار ريال بينما القروض العقارية وصلت إلى 152 مليار ريال، ورغم أن التمويل الاستهلاكي يعادل ضعفي العقاري لكن الملفت أن النمو كان بمحفظة التمويل العقاري بنسبة 8 % للربع الأول من هذا العام بينما انخفض التمويل الاستهلاكي بنسبة 0.3 % وهذا مؤشر على نمو الطلب الفعلي على العقار السكني خصوصاً مع طرح بعض البرامج من وزارة الإسكان ومنها التمويل المدعوم وبعيداً عن تقييم أيّ برنامج حكومي لدعم تملك السكن إلا أن الملفت هو توجه الأفراد للاقتراض بقصد شراء المساكن وهو مسار معاكس تماماً للتوجه الذي ساد لديهم طوال أكثر من 15 عاماً مضت وهنا لابد من قراءة هذا التوجه للأفراد وتحليل أبعاده على النشاط الاقتصادي، وهل هو مجرد موجة مؤقتة أم أن هذا النمو بالقروض العقارية سيستمر وينمو بوتيرة سريعة وما هي استعدادات السوق والاقتصاد لضخ أموال كبيرة في السوق العقارية السكنية فهل العرض يلبي الطلب دون إخلال بمعايير عديدة من أهمها منع حدوث فقاعة بالأسعار؟.
إن من أهم عوامل تحفيز أي نشاط هو التمويل الذي يصب فيه لكن بالمقابل لابد من مراقبة العرض ودعم نموه بنفس الوتيرة التي تم فيها تسهيل الحصول على التمويل العقاري للأفراد وبالتأكيد أن الفارق كبير بين تيسير نمو العرض وتشجيع المطورين والمستثمرين على زيادة نشاطهم كون الأمور التنظيمية بنشاط التطوير متشعبة بعكس ما يتطلبه تنظيم تمويل الأفراد لكن لابد من الناحية الاقتصادية ومنعاً لتضخم الأسعار أن يكون التركيز أكثر على تيسير وتسهيل أعمال التطوير لزيادة العرض من المنتجات السكنية إذ لابد أن يسبق العرض الطلب وينمو بوتيرة أسرع وأن لا يقل الفائض بالوحدات السكنية المعدة للبيع وليس التأجير عن عشرة بالمائة وذلك لضبط الأسعار ومنع أيّ تضخم سيؤدي بالتأكيد لتباطؤ الطلب وتراجع الإقراض العقاري للأفراد فلا أحد سيتحمل أكبر من طاقته. نمو الإقراض العقاري للأفراد مؤشر جيد على تغير سلوك المستهلكين وتوجههم للقروض التي تمكنهم من تملك أصول تعزز من ثرواتهم مقابل تراجع القروض الاستهلاكية التي نمت بنسب كبيرة سابقاً مما يمثل فرصة مع تغير الثقافة المالية للأفراد لتنشيط الاقتصاد من خلال قطاع العقار السكني وزيادة مشروعات التطوير بأكثر مما هو قائم حالياً مع العلم أن تحسناً كبيراً طرأ على نمو مشروعات التطوير لكن المرحلة المقبلة تحتاج لجهود مضاعفة من كافة الجهات للتوسع بنشاط التطوير لأن الوقت الذي يتطلبه بناء أي مشروع أكبر من الوقت الذي يحتاجه أيّ فرد لطلب التمويل بكثير وهذا ما قد يتسبب بارتفاع في الأسعار بعد سنوات لن تكون بعيدة إذ ستصبح كتلة نقد كبيرة تطارد بضاعة محدودة الكم وهذا ما حدث في فقاعة سوق الأسهم المحلية عام 2006م.