د.فوزية أبو خالد
النسوية باختصار آمل ألا يكون مخلاً هي مصطلح لغوي وموضوعي لمفهوم علمي في مجال حقوق النساء. وهو في نفس الوقت مصطلح عملي يعبر عن مفهوم حركي اجتماعي لرد الاعتبار التاريخي والاجتماعي للنساء وتمكينهن من كافة حقوق المواطنة وحقوق الإنسان بما فيه حقوق التفكير المعرفي والمشاركة في مجالاته العلمية والأدبية والفلسفية والفقهية والتشريعية. هذا بالطبع بالإضافة لضرورة التمكين من كافة حقوق المواطنة التفاعلية وليس الاتكالية دون انتقاص أو تمييز ضدي بسبب النوع الاجتماعي. بهذا المعنى فإن مصطلح «النسوية» هو مفهوم يجمع بين الجانب النظري وبين الجانب الميداني نحو تمكين المرأة قانونيًّا وحياتيًّا من العيش بكرامة وعدل وسلام في مجتمع يقر بحقوق النساء والرجال معًا ولا يسمح لأحدهما أن يبخس الآخر كي لا يكون فيه مجال لنشوء علاقة صراع أو تسلط بين بعضهما البعض. والمصطلح بهذا المعنى يعمل على تصحيح كل ما من شأنه أن يبقي على موازين غير عادلة في التعامل بين النساء والرجال بتقديم بدائل حقوقية وثقافية وحياتية تساعد الدولة والمجتمع والنساء وبطبيعة الحال الرجال على تحقيق منشود العمران البشري بالتأسيس على مجتمع قطباه المرأة والرجل وليس القائم على مركزية الرجال وثانوية النساء. مع تمكينهما معا من شرعة حقوق الإنسان فالنسوية لا تهدف فقط إلى تصحيح أوضاع النساء ولكن تهدف لإقرار علاقة عدلية سوية بين النساء والرجال.
لقد مرت النسوية كمنتج نظري وحركي ولد في وعاء الحضارة الغربية وإن كان له روافد دولية تطورت من تجارب الشعوب والمجتمعات وتبلورت في الوثائق الحقوقية للأمم المتحدة، بعدة مراحل. وذلك باعتبارها مجهودًا اجتهاديًّا يتبنى موقفًا نقديًّا من دونية موقع المرأة في شتى المجتمعات ويعمل على مساءلة واستجواب الأنظمة والثقافة السائدة التي تسمح بنيتها بهذا النوع من خلل الميزاني العدلي في العلاقات. وإذا كانت المساحة لا تسمح بالحديث عن تلك المراحل الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر التي انطلقت شرارتها الأولى من نيويورك أمريكا بمؤتمر «سينيكافولتز» 1848 فلا بأس بإشارة سريعة لأهم تلك المراحل.
هناك المرحلة الأولى وهي مرحلة التحرر الأولية التي بدأت بمطالبات حقوقية عامة وأهم إنجازاتها حق التعليم وحق العمل وحق الملكية وحق التصويت الذي لم ينجز إلا في عام 1920 بتعديل الدستور الأمريكي لإقرار حق النساء في المشاركة السياسية.
الثانية هي مرحلة النسوية اليسارية وفيها تخلت الحركة عن نخبويتها الأروستقراطية لتنزل إلى الشارع وتعبر عن كافة النساء في مختلف الأعراق والإثنيات والطبقات وخاصة المسحوقة وإن تمثل زخم الحركة في هذه المرحلة في أوروبا ومثله كتاب سيمون دي بفوار المبكر في التنظير الفلسفي للنسوية بعنوانه النقدي المباشر «الجنس الثاني» 1949 وبمعادله الأمريكي اللاحق المتمثل في كتاب بيتي فريدان القداسة الأنثوية 1964.
أما المرحلة الثالثة فقد تزامنت مع صعود أطروحة ما بعد الحداثة في الوسط الأكاديمي وانتقالها إلى الشارع العام والفضاء الإلكتروني فيما بعد وتمثلت في تحدي (المركزية الغربية والمركزية الذكورية) التي كانت من مصاحبات النسوية في مراحلها الأولى. وربما يمثل كتاب ليندا جين شيفرد/ترجمة يمنى الخولي أنثوية العلم 1993 حدسًا مبكرًا بطبيعة توجه ومطالب النسوية في إطار ما بعد الحداثة، حيث تسنى لليندا جين أن تقدم نقدًا عميقًا للنسوية يشكل إضافة نوعية عليها بإنكارها على أي توجه نسوي يقمع الطبيعة الأنثوية عند النساء ويطلب من المرأة أن تكون سوبر وامن المستنسخ من صورة السوبرمان للرجل وهو ما سمته بالشرط الذكوري للنسوية. كما انتقدت الإرث المعرفي وخاصة الفلسفي والعلمي الذي خسر كثيرًا باستبعاد النساء منذ عهد الأغريق ونسبيًّا إلى الآن.
والحقيقة أن للنسوية العربية الإسلامية تاريخًا موازيًا من المد والجزر اقترن بعضها بمد حركات التحرر من الاستعمار وارتهن لطروحاتها ووقع عليها ما بعد التحرير ما وقع على المجتمعات من جمود وتوحش ومراوحة الأنظمة العسكرية، إلا أن بعض المد النسوي عربيًّا وإسلاميًّا ما لبث أن بحث عن استقلالية من تلك الأنظمة على مستوى الاجتهاد النظري كحقل معرفي نسوي وعلى مستوى الدربة الميدانية كحركة نسوية. وقد تفوقت فيه النسوية كتنظير وكحركة في كل من المغرب على المستوى العربي وماليزيا على المستوى الإسلامي متمثلا في حركة مساواة. وتوجد على الساحة العربية والإسلامية بل والسعودية نماذج مشرفة لطيفة من أسماء عدة أجيال من النساء بل ومن الرجال أيضًا تمثل النسوية ميدانيا بنشاطها الدؤوب الهادئ وتمثلها معرفيًّا ببحثها النقدي الموضوعي للمساهمة في بناء نسوية عربية إسلامية وطنية ومستقلة وغير منغلقة على ذاتها نحو رفع الظلم التاريخي الذي نتج عن إنكار أهلية ورشد النساء ونحو قراءات فقهية تجديدية ومؤصلة لتمكين النساء والمجتمع من منشود العدل والحرية والكرامة.