د.ثريا العريض
العيد للصغار والكبار, ولكن الجميع في غربة المنافي والتهجير والحروب الأهلية لا يحسون بطعم العيد.
الصغار في بعدهم عن آبائهم المرابطين على الجبهات يؤجلون العيد لاحتفالات السلام.
الصغار في الأراضي الموبوءة بالمقاتلين والإرهابيين يحسبون الألغام ألعاباً فيفقدون أطرافهم ولا ينسون حزن الغدر.
الصغار في صخب الحروب الأهلية لا يعرفون مدفع إعلان العيد بل دوي التفجيرات والانفجارات.
الصغار في الأراضي البعيدة لا يعرفون إن كان عيدهم مع المسلمين أو المبشرين أو عبدة الأوثان.
أطفال المخيمات لا يملكون حتى حق الحلم بالعيد..
وأطفال المبعدين والمحتجزين والأسرى ينتظرون العيد المؤجل.
وأطفال داعش والتطرف لا يذكرهم العيد.
العيد للصغار؟
ربما لبعضهم.. أولئك المحظوظين..
أولئك الذين الذين لم تتآكل طفولتهم بين الألغام والمخدرات والإرهاب.
أولئك الذين لا يعانون حروباً مذهبية وعرقية وعقائدية وعنصرية يتلاشى فيها انتماؤهم. ولا يسخرهم عدو قريب أو عن بعد باسم الدين والولاء لتمزيق الذات والدين والوطن.
المحظوظون منا الذين هطلت عليهم نعمة الفرح بالعيد يذكرون غيرهم ممن لا زالوا ينتظرون رحمة الله.
أثق أننا سنفرح فرحاً مشتركاً ذات يوم أرجوه قريباً.
ربما حين يتحرر الجميع من ذل يفرضه الضعف, وجهل تأتي به القوة.. حين تعود الطفولة والطمأنينة إلى وجوه الأطفال في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وجزر الخليج المحتلة ودول شمال أفريقيا والسودان.
ربما حين يورق الإيمان بحقوق الإنسان بدل رغبة الهيمنة والتسلط والإقصاء والتفرعن والعنف.
ربما حين يمارس الإنسان في أي جوار يعيش فيه البناء بدل الهدم, والتعايش والتقبل والاحترام بدل الاستفزاز والإقصاء والكراهية والتنمر.
ربما حين نوقن أن هويتنا الإسلامية تطالبنا بالسلام والتكافل وليس التقاتل.. حين تتصافح أيدينا تعبيراً عن المودة وليس الخضوع, وترى بصيرتنا أن ما يجمعنا جذري, وما يفرقنا هامشي مستزرع. حين لا نحتاج إلا إلى هوية الانتماء الأعمق لدين واحد ليس بيننا والله أحد ينوب عنا أو عنه سبحانه.. دين حب ونقاء وعقيدة التسليم للخالق ولغة يتكلمها القلب قبل الألسنة.. وإنسانية يشترك فيها جميع المؤمنين على حد سواء.
عندها نحتفل كلنا مبتهجين بالعيد.. صغاراً وكباراً.. كل يوم.