ياسر صالح البهيجان
أخذت الحروب سواءً بين دولة وأخرى أو بين الدول والجماعات والتنظيمات المتطرفة بُعدًا جديدًا منذ ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت من مجرد وسيلة للاتصال والتفاعل إلى ساحة حرب ذات طبيعة مختلفة ولاعبين جدد، استُبدلت فيها القنابل والمدفعيات والدبابات بالنصّ والصورة والفيديو والوسوم، في وقت انتقلت فيه المعسكرات ومخيمات التجنيد غير الشرعية إلى ذلك الفضاء الإلكتروني الواسع، لتنطلق عمليات التأليب والتعبئة والاستدراج نحو التطرف والإرهاب وزرع الفتن في البلدان الآمنة والمستقرة.
الثغرة الأكثر خطورة في شبكات التواصل الاجتماعي تتمثل في سهولة الوصول إلى المعلومات وفقدان خصوصيتها، وتلك المعلومات المتناثرة بات بالإمكان جمعها وتحليلها والاستفادة منها في صناعة تكتيك عسكري إلكتروني يروم اختراق وحدة المجتمعات وشق صفها واستغلال مطالب الشعوب المشروعة لتأجيج الرأي العام على الحكومات الشرعية، أونشر الشائعات المغرضة التي تحمل هدف بناء صورة ذهنية سلبية عن السلطة أو مؤسسات المجتمع المدني في إطار حرب نفسية تسد الأفق وتبعث على التشاؤم تمهيدًا لإنشاء جيل هشّ يمكن تجنيده لتحقيق مآرب دموية وصراعات تقود إلى الأنفاق المظلمة.
وفي كتاب «شبه الحرب: تسليح مواقع التواصل الاجتماعي» الذي ألفه بيتر وارن سينجر (خبير استراتيجي في مركز نيو أمريكا) وإميرسون بروكينج (باحث في مجلس العلاقات الخارجية)، إشارة إلى أن تغير ساحة المعركة دفع إلى التفكير في المعلومات نفسها، فمن المعلوم أن الحدث يكون قويًّا فقط إذا صدّقه الناس، ولذا يعمل المقاتلون الجدد على تزييف الحقائق فيما يصب في مصلحتهم، وذلك من خلال التلاعب النفسي والسياسي والخوارزمي بها.
بلادنا -حماها الله- من بين الدول الكبرى الفاعلة على المستوى الدولي، ولها ثقلها الديني والاقتصادي والسياسي ما يجعلها معرضة لحملات شرسة عبر شبكات التواصل الاجتماعي سواءً من دول معادية أو تنظيمات مارقة، لذا من الضروري البدء بإدراك خطورة هذا النوع من الحروب الجديدة الآخذة في التوسع والانتشار، وتحصين المجتمع من سيل المعلومات الوهمية وإطلاق برامج وطنية لتثقيف المواطنين، ورصد ومراقبة حملات التشويه والتضليل الخارجية، والتصدي بحزم لأي منشورات تجدف عكس تيار الوحدة الوطنية وروح التسامح والانسجام.
في الحرب الجديدة جميع المواطنين هم «مدافعون» عن وطنهم في شبكات التواصل الاجتماعي بحملهم سلاح الكلمة وكشف التضليل والتزييف الذي يروم النيل من بلدهم، إنها حرب لا تقبل الحياد ولا أنصاف المواقف، ومن هنا تأتي أهمية الوعي بقيمة الفرد ودوره الفاعل في إجهاض الغارات الإلكترونية، وبناء ذاك الوعي مسؤولية تقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية وجميع مؤسسات المجتمع المدني.