د. حسن بن فهد الهويمل
الإنسان المجرد من الانتماء، مذموم في أكثر من عشر آيات من القرآن الكريم.
والانتماء غير السوي قد يزيد الإنسان ارتكاسًا في وحل التوحش، والأثرة، والأنانية المقيتة:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم).
وفي الأمثال: (إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب).
العقل الحصيف، والتجربة المتنوعة، والملاحظة الدقيقة، والعفة، والنخوة، والخوف تأطر المقتدر على الحق، وتوجهه الوجهة الحميدة. سواء كان من علية القوم، أو من أوساطهم، وسواء كان دولة، أو جماعة، أو أفرادًا.
وتلك الخصال حين يتلبسها (قادة الأمم) و(عمالقة الفكر) توفر للعامة أجواء مريحة، وأفئدة مطمئنة، وأقدامًا ثابتة، وآمالاً باسمة، توحد الكيان، وتجمع الكلمة.
والحياة بدون تلك القيم جحيم لا يطاق، وضيق لا يحتمل، وخوف لا هناء معه. الإنسان قيم، وسائر الماديات أوعية.
(قادة الدول) في ظل الأثرة، والتسلط، والسعي لإضعاف الطرائد بتفريق الكلمة، وتحريض الأقليات، والدفع بهم لانتزاع السلطات، والتحريش بين الفرقاء بأمس الحاجة إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، والأهداف، وتقوية اللحمة الداخلية، وصنع الإنسان ليكون ردءًا لبلاده، وعشيرته الأقربين. فالاعتماد على قوة الغير ضعف: (فتول أنت جميع أمرك).
الإنسان، عقيدة، وخلق، مهارة، وعطاء. وبدون ذلك يكون حيوانًا متوحشًا.
(الإعلام الحديث) بقنواته، ومواقعه حريص على حشد المشاعر، وتأجيج الفتن، وتجييش الغوغاء، والجهر بالسوء، وافتعال الخوف، والشحناء، لتأخذ اللعب دورها. إنه جزء منها، وممهد لها.
و(الربيع العربي) حاضن مخصب لكل فتنة عمياء. لقد أذهب الريح، وأضعف القوى، وزرع الكراهية والبغضاء، وجعل بأس الفرقاء بينهم شديد:
إذا احتربت يومًا فسالت دماؤها
تذكرت القربى ففاضت دموعها
واللاعب المؤجج يرقب غير بعيد، ويجني ثمار تحريشه، وتضليله.
(اللعب الكبرى) مجرد أحداث مفصلية، لو وعتها الأمة، وحللتها، واستخرجت النتائج، لما أعاد التاريخ نفسه.
الأمة الغافلة يلعب بها جلد الأشرار، ويستنزف خيراتها، وينهك قواها، ويملأ نفوسها يأسًا، وإحباطًا، ويشككها بنفسها، وبإمكاناتها.
لا بد من إعادة ترتيب الأوراق، ومعرفة العدو من الصديق، والصادق من الكاذب. وتحصين العقول من الشهوات، والشبهات، وعبودية الأهواء.
لم يعد الوضع يحتمل مزيدًا من الترديات:
(والعاقل من وعظ بغيره). ومن تولى جميع أمره:
ومن رعى غنمًا في أرض مسبعة
ونام عنها تولى رعيها الأسد
إهمال أشيائك إغراء للمتربصين بك للانقضاض عليها.
لقد أهمل بعض الصحابة (الثنية) التي وكل الرسول أمرها إليهم، وأقبلوا على جمع الغنائم، فكانت الهزيمة التي أوجعت المسلمين، وفوتت عليهم لذة الانتصار الساحق.
وكل من فرط في أمر وكل إليه، فوت على أمته ما كانت تأمله.
والاعتماد على الآخر تفويت للفرص:
{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة}. والوعي، والحزم، والعزم، يتطلب الاستعداد، ومواجهة النوازل بما يناسبها.
أمتنا في راهنها فوضت أمرها لعدوها، وركنت إليه، ومكنته من رقاب الآمنين، فكانت الكوارث المتلاحقة.
لقد أدركت (المملكة) كواحدة من دول العالم المسؤولة عن الاستقرار العالمي خطورة الموقف في كثير من النوازل، فكانت خيارات الاضطرار:
(عاصفة الحزم) التي كسرت مجاديف الأعداء، ومزقت أشرعتهم.
و(القمم الثلاث) التي فوتت على المتربصين فرصهم الثمينة، وحطمت كبرياءهم.
وسوف يكون لضرب (مطار أبها) عواقبه الوخيمة، التي ستغير (سيناريوهات) الحرب الاستنزافية.
(الأمة العربية) لما تزل تحك جلدها بأظافر غيرها، وكم هو الفرق بين أن تلي أمرها بنفسها، أو أن تقعد ليتولى غيرها أمرها:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
لا نريد لأمتنا المقاعد الخلفية، ولا نريد لها أن تظل متواكلة، متثائبة. لقد شبعت من الذل، والمهانة، ودفع الثمن من حريتها، وكرامتها:
كم سيرتنا يد كنا نسيرها
وبات يحكمنا شعب ملكناه
أضعنا حضارتنا، وأمجادنا التليدة، ولم نستبدلها بما هو خير. ومرد ذلك تفويض شأننا كله لمن لا يرعى فينا إلا، ولا ذمة، وارتهاننا للدهشة، والانبهار من ماديات الغرب.