أ.د.عثمان بن صالح العامر
تنشر وزارة العدل مشكورة كل شهر هجري تقريراً رقمياً يتضمن عدد عقود النكاح وصكوك الطلاق الصادرة في المحاكم بجميع المناطق، وتقرير شهر شعبان المنصرم كان لافتاً للانتباه ومثيراً للتساؤل سواء ما كان منه خاصًا بعقود الأنكحة أو أنه متعلق بصكوك الطلاق، إذ بلغ عدد عقود الأنكحة (الطرفان أو أحدهما غير سعودي) 8945 في مقابل 4436 عقداً لأنكحة أطرافها سعودية، أي أكثر من الضعف، بل إنها في بعض المناطق على التفصيل بلغت ثلاثة أضعاف ونصف كما في منطقة مكة المكرمة 2596 عقداً مقابل 711.
أما عن صكوك الطلاق فهي بين السعوديين (الطرفان سعوديان) 4035 في مقابل 531 الطرفان أو أحدهما غير سعودي.
هذه الأرقام والإحصاءات كانت مثار نقاش وحوار في الجلسات الخاصة والقروبات الوطنية الواعية والمثقفة طوال الأيام الماضية، البعض شكك في هذه الأرقام وجزم بعدم صحتها لأنه -كما يقول- (في منطقتي حائل مثلا تذكر الإحصاءات أن عدد العقود السعودية 98 مقابل 318 ولا نرى هذا الرقم في الدائرة الضيقة المحيطة بِنَا فأين هم أو هن المتزوجين أو المتزوجات بغير السعوديين؟ وكيف تحقق لهم ذلك ومقام وزارة الداخلية مشكورة تشترط شروطاً صعبة لزواج السعودي من الخارج؟
رد عليه آخرون بأنه مستحيل نشكك بها وهي صادرة من جهة رسمية هي المنوط بها من قبل ولي الأمر إصدار هذه العقود وتلك الصكوك، ولذا لا بد أن نكون جادين في العلاج، فضلا عن الوقاية الفعلية لهذا الأمر حتى لا يتعاظم الحال وتتصاعد الأرقام.
تحول الحديث بعد ذلك وانتقل الحوار من دائرة النفي والإثبات لهذه الأرقام الصادمة إلى محاولة جادة لحصر الأسباب التي تقف خلف هذا التحول الخطير والتبدل السريع الذي يعتبره البعض خطراً داهماً يهدد الأسرة السعودية.
لن أقف عند ما ذكر في هذا، فالأسباب كثيرة ومتنوعة سواء ما كان منها خارجياً أو داخلياً أو حتى ذاتياً، وأكثرها ليس جديداً، خاصة عند من يتابع ويرصد هذا التحول المجتمعي منذ دخولنا ما ينعت بعصر العولمة وحتى اليوم، ولكنني أسوق في هذا المقال هذا الاقتراح إن كان لي حق المشاركة في المطارحة والنقاش لهذا الأمر الصعب.
إن من نافلة القول هنا أهمية دراسة هذه المؤشرات ومناقشتها من قبل أهل الاختصاص، ولذا أرى أن ينبري مجلس شؤون الأسرة التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية بعقد ورشة عمل خلال هذا الشهر، يشارك فيها ويدعى لها كل من:
- المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
- مركز ذكاء الأعمال ودعم القرار في وزارة العدل.
- لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى.
- مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.
- الجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأرامل والمطلقات في الرياض.
- جمعيات التنمية الأسرية المشهود له بالتميز والجودة في المملكة.
- أكاديميون متخصصون لهم اهتمام فعلي بتتبع هذه الظواهر ودراستها والبحث الجاد لإيجاد الحلول الفعلية لها.
- مدربون معروفون في الدورات التي تعقدها الجمعيات التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية للمقبلين على الزواج.
- عدد من مأذوني الأنكحة الذين يجمعون بين العلم الشرعي والدراية بالواقع الحياتي.
والهدف من هذه الورشة مدارسة هذه المؤشرات والخلوص بتوصيات عملية شاملة وكاملة ومن ثم رفعها إلى متخذي القرار عله أن يتولد على أثرها مشروع وطني ناضج يكون علاجياً ووقائياً في آن واحد، ويرتكز في الأساس على التوعية والتثقيف المجتمعي، متخذاً من التدريب وسيلة له للوصول إلى المستهدفين شباباً وفتيات، ومتصلاً بجميع قنوات التنشئة الاجتماعية في المجتمع وذلك من أجل ضمان تحقق ووجود (أسرة سعودية أفضل)، حفظ الله بيوتنا وحمى ذرياتنا ووقانا جميعاً الشرور والفتن والويلات، وإلى لقاء والسلام.