د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
سبق وكتبت أن نظرة الولايات المتحدة لمجريات أمور المنطقة تتقاطع مع نظرتنا لها إلا إنها في بعض المحاور لا تتطابق معها بل وربما اختلفت عنها. وكلما تطورت الأحداث اتضح أكثر فأكثر أن الحسابات السياسة لأمريكا في الداخل قد تكون أقوى من التحالفات في الخارج. وهذا أمر ينطبق على إدارة ترامب تحديدًا التي تعد الإدارة الأكثر شعبوية والأكثر غرابة في تاريخ أمريكا. وقد ظهر مؤخرًا مسلسل تلفزيوني شبه وثائقي عن حادثة اغتصاب سيدة في عام 1989م في السنترال بارك في نيويورك أُتهم فيها زورًا خمسة مراهقين سود من قبل الشرطة، وأدينوا بالجريمة رغم تضارب الأدلة وضعفها فأودعوا السجن 14 عامًا قبل أن تتضح براءتهم باعتراف شخص آخر بالجريمة. المهم في هذا المسلسل، الأكثر مشاهدة في أمريكا هذا العام، هو دور الرئيس دونالد ترامب الذي اشترى صفحات إعلان كاملة في صحف كبرى مطالبًا بإعدام المتهمين حتى ولو شكك الكثير في مصداقية حكم إدانتهم. وظهر ترامب في مقابلات تلفزيونية يتكلم عن المتهمين بعبارات دونية عنصرية كوحوش ومجرمين. وسئل ترامب عن هذه الوقائع مؤخرًا فأجاب أنه ما زال على رأيه!!
لهذه القصة هذه الأيام دلالاتها حول سياسات الرئيس ترامب بعد أن أصبح رئيسًا. وربما كذلك حول سياساته في منطقتنا؟ فتصريح ترامب أنه ما زال على رأيه يدل على أنه ما زال يحمل النظرة ذاتها للسود وغيرهم من الملونين في أمريكا. وربما ساعدت الصراعات العرقية التي تصاعدت مؤخرًا في أمريكا في انقسام المجتمع الأمريكي وفي انتخاب ترامب. فقاعدة ترامب الانتخابية هي مناطق الوسط ووسط الغرب حيث ينخفض مستوى الثقافة ويرتفع مستوى التدين والعنصرية أيضا. فجزء كبير من ناخبيه من المسيحيين الصهاينة الذي يعتبرون دعم إسرائيل أمرا مقدسا مبنيا على نبوءة إنجيلية بروتسنتية ويقدمون ذلك على أية اعتبار آخر، وهو ما يقف خلف نقل ترامب لسفارة أمريكا وتأييده لضم الجولان لها. أما سياساته حيال الملونين فتتضح من تعجله بناء سور على حدود المكسيك، وسن قوانين جديدة متشددة للهجرة. وتذكر أوساط كثيرة أن لترامب موقفا قويا غير ودي من باراك أوباما شخصيًا يضاف لذلك لكون الأخير أول رئيس أسود لأمريكا.
ترامب وعد ناخبيه ونذر على نفسه أن يفكك كل برنامج أتى به أوباما أثناء رئاسته، وعلى رأسها النظام الصحي، والاتفاق النووي مع إيران الذي أعتبره مؤيدو أوباما الإنجاز الحقيقي لإدارة أوباما على الصعيد الخارجي. وتبع ذلك سياسات شعبوية تجارية أخرى تدور في معظمها حول التحلل من التزامات أمريكا السابق باتفاقيات التجارة الحرة بحجة وضع مصالح أمريكا أولاً، فشعار «أمريكا أولاً» يعد أهم شعار ساعد على انتخاب ترامب، وقد يعاد توظيفه في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2020م.
بعض سياسات ترامب خلقت له بعض الخصوم من حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا والشرق الأقصى. فدول أوروبا لم تعجبها مواقف إدارة ترامب من الناتو أو بعض الاتفاقيات التجارية، وهي بلا شك لم تعجب الصين، ولا المكسيك ولا كندا ولا روسيا. وربما نظرت بعض الدول إلى سياسات ترامب، خصوصا حيال كوريا الشمالية على أنه استعراض غير دبلوماسي للقوة. أما مصالحنا نحن، حيث تعبث إيران بأمن منطقتنا، فنحن رحبنا وهذا هو الأمر المنطقي، بإلغاء الاتفاق النووي. والاعتبارات المنطقية تجعلنا لا نمانع في عمل عسكري محدود أو واسع ضدها. فرحبت دول المنطقة بإرسال الأسطول السادس للمنطقة.
وبعد الأحداث الخطيرة المتمثلة في هجمات غير مسبوقة على الملاحة في الخليج العربي، وهجوم إيران عبر أذرعتها على مصالح حيوية لحلفاء مهمين لأمريكا بدأت تنجلي بعض المواقف السياسية الحقيقية العالمية من سياسات ترامب. فكانت مواقف أوروبا ودول عظمى كبرى كروسيا والصين ضعيفة جدًا ولم تتجاوز طلبات «ضبط النفس»، و»تجنب التصعيد». واتضح أيضًا أن الدعم الأمريكي من المؤسسات الأمريكية كالكونجرس لحرب مع إيران ليس بالدرجة المطلوبة. وشعبيًا ما زالت أجواء حرب الخليج تحجب الدعم الشعبي لحرب جديدة، والشعب انتخب ترامب لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الداخل وليس للحرب في الخارج. ولذا تمادت إيران في تجاوزاتها، وصرح الرئيس ترامب بأنه ليس مستعجلاً للرد.