سام الغُباري
ذات يوم، كُنّا عائلة واحدة، والجدّ في قصره الملكي عابدًا قانتًا، آمرًا عادلاً، يتلو مبادئ «الرحمانية» ويُسبّح لله الواحد الرحمان، وفي مخلاته تعاليم ملفوفة بورق البردي، عليها نقش من حبر والده النبي هود عليه السلام.
- ابنه «قحطان» جدّي، ومنه جاء «يمن»، و»يعرب» الذي انتسبت إليه العرب، وإلى «أبين» و»شرعب» و»ذمار علي» وغيرهم تناسل القحطانيون ملوكًا، فصاروا تبابعة وسبأيين وحميريين، في جرابهم ألف ألف ملك، وعلى ألواح الحجارة كتبوا المُسند في راحلة مُلك لا يعرف الملل حتى بلغوا أمريكا قبل «كولومبس» بألفي عام، وعلى جنباتهم وذرياتهم تناسلت النبوة، فولِد عاد وشعيب وإلياس وذو الكفل وصالح. رسل الله الذين تتوجت بهم سُلالة المُلك وعلت بهم النبوة قدرًا يتصل بالرحمة الإلهية.
- فجأة.. وجد أولئك الملوك كل شيء مبعثرًا، غزاهم الفرس الذين كانت بلادهم روضة وأرضًا تدين لتبابعة عظام، فتمكنوا منهم خدعة واحتيالاً وبنوا المستوطنات الفارسية، وبدأوا الحرب من الداخل، وانحسر الملوك في ضعفهم وتبادلوا الجهل كموروث مقدس، واشتبكوا بينهم على فقه المواريث، فيما سيطر الفارسيون على فقه الدولة وأنتجوا نظريات الحُكم المقيدة. وأدخلوا اليمنيين في نفق مظلم ومعارك طاحنة وهم أولاد عم تستهويهم النبوة فيخضعون لها نهجًا وامتثالاً لأوامر عزيز مقتدر.
- استمر الكهنة الفارسيون في تغيير ملامح المجتمع اليمني، حاصروا الملوك الذين كانوا تبابعة فأرجعوهم أقيالاً، ثم صاروا مشايخ على مناطق صغيرة، وأنشأوا على غرار الريف مُدنًا لهم فيها القضاء وديوان الإمارة والسلطة والخيل المُسوّمة والمرتزقة الذين لم يراعوا دمًا أو حرمة، نفّذوا خُطط التقسيم إلى هويات صغيرة، واحتفظوا بهويتهم الأم، أنتجوا آلاف الكتب وأحرقوا كل كتاب لنا، فما ظهر منّا شاعرٌ أو أديب أو مفكر، أو قاضٍ شهير بحجم الأرض، غرقنا في الجهل والبؤس والحرب، وتبدّل المشايخ بقوة الإمامة وسطوة عساكرها المجرمين فصاروا ولاة في يد الجلاد المشعوذ.
- إصرارهم على التنكيل باليمن في هويته وبأسه وتاريخه ومكانته ورهنه في التخلف يطلق في رأسي ألف سؤال، هل يخشون عودة التبابعة الذين بشّر بهم حديث «محمد» المصطفى -صلوات الله عليه- عن عودة الأمر إلى حمير؟. أم أنني أتوهم نظرية المؤامرة؟.. وأفاخر بتاريخ لا يُشبع أحدًا هذه الأيام، وأصبو إلى وهم عودة حِمير كمن يهفو قلبه إلى عاد أو ثمود؟
لا أجد سوى الأمل إجابة، والتفاؤل ردًا على حيرة الأسئلة وعفويتها، أتطلع إلى اليمن كهوية تنتج حراكًا اجتماعيًا قادرًا على تأمين الانتقال إلى مرحلة الدولة وصياغتها وفق أسسها الأولى.. وسيعرف كل يمني أنه صوّب سلاحه في وجه ابن عمه، وقذف الطلقات إلى وجه عشيرة ينتمي إليها، فاليمن والد الجميع من المهرة إلى صعدة، ولا دخيل بيننا إلا ذلك الدّعي بهوية تُخالف قوانين اللجوء الإنساني وتهدد على الدوام أهل البيت الأصليين بنزوح مستمر وحروب تُقطّع أرحامهم وقرابتهم، وتنثر البغضاء بين شمال وجنوب وأعلى وأسفل وشوافع وزيود وأحزاب يمينية ويسارية.
- اليمن إرثنا وورثنا الأغلى، وإلغاء كل الهويات الصغرى مقابل استعادة روح المُلك وبأس قحطان ونبوءة هود وإيمان محمد أنبل الأهداف التي تحرق الشياطين في أوكارهم، وتُعيد لليمنيين جنتيهم عن يمين وشمال.. فهل من مُدّكر؟.
وإلى لقاء يتجدد،،،