صيغة الشمري
دائماً ما تخوض الصحف الورقية رهانات عدة في حرب البقاء، مع جميع وسائل الإعلام التي ظهرت بعدها، بداية من الربع الأخير من القرن العشرين وحتى الآن، في كل رهان كان يسود الاعتقاد بأن الصحف الورقية لن تستطع الصمود أكثر من ذلك أمام الوسائل الحديثة التي توفر المحتوى المقروء بالعديد من الصيغ والأشكال وتنقل الأخبار وقت حدوثها، إلا أننا كنا نتفاجأ في كل مرة بالصحف الورقية وقد خرجت من التحدي الجديد دون هزيمة، لأن خبراء الإعلام ومهرة المطبخ الصحفي هم قادة الرأي العام الحقيقيين والذين يملكون تغيير المعادلات وتحقيق النتائج ولذلك دائماً في كل معركة ترجح الكفة بنصر الصحف الورقية وأربابها، ولكن السؤال المهم: هل يجب علينا نحن كقراء أن نستسلم ونتوقّف عن دعم الصحف الورقية في معركتها مع وسائل التواصل الاجتماعي التي عبثت بالمجتمعات وهدمت أكثر مما بنت، أم أن علينا دوراً يلزمنا بمواصلة الدعم لضمان بقائها أكبر قدر ممكن من الزمن لصالح مجتمعاتنا وصالح أجيالنا القادمة؟ إن موت الصحف الورقية يشبه موت الأب الوقور في العائلة التي يكون أغلب أبنائها قصّراً لا يستطيعون مواجهة متقلّبات الحياة وظروفها.
كما أن أهم إجابة على هذا السؤال تكمن في قيمة الصحف الورقية وأهمية بقائها التي يجب أن نجعلها معركة مصيرية لنا جميعاً، والسبب في ذلك يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي «المسؤولية الاجتماعية»، إن بقاء الصحف الورقية حيَّة وقادرة على المنافسة يضمن معدل مقبول إن لم يكن عالياً من المسؤولية والجدية لدى شرائح المجتمع، وعلى الرغم من أن المسؤولية لم تعد محصورة في الأشكال الورقية للإعلام، إلا أن بينهما ارتباطاً تاريخياً كبيراً، وخصوصاً أن غيرها من أشكال المطالعة الإلكترونية نادراً ما تراعي ذلك، بل تكون عادة لها العديد من الاستخدامات التي من بينها المسؤولية كشيء ثانوي.
إن ارتباط الصحف الورقية بمستوى الوعي لدى الشعوب هو ارتباط شرطي أثبتته التجارب العالمية المختلفة، ومعنى ذلك أن جانباً كبيراً من مستقبل الوعي في بلداننا العربية متوقف على بقاء الصحف الورقية بين أيدينا، ولست في حاجة إلى أن أتحدث عن أهمية القراءة ودورها في بناء المجتمعات وتأسيس النشء الواعي القادر على خوض معركة الحضارة، الدليل الأهم على مصيرية الصحف الورقية في حياة الشعوب، هو أن بلدان العالم المتقدِّم التي قطعت أشواطاً هائلة في مجال التكنولوجيا لم تتخل حتى الآن عن صحفها الورقية ولا تضع في جدولها أي خطط للقضاء عليها، بل على العكس تبحث سبل الإبقاء عليها وإنقاذها، فلماذا تفعل ذلك إن لم تكن تدرك أهميتها في مستقبل حضارتها؟!