د. محمد عبدالله الخازم
كتاب «صوت خلف النافذة» لمؤلفته الدكتورة هند السليمان، جذبني فيه ثقة المؤلفة بطرح آراء بعضها مختلف عن السائد، وعادة يشدني الكتاب الذي أجد فيه روح أو شخصية المؤلف، فليس تأليف الكتب مجرد عرض معلومات بل طرح رؤية، وأغلب الكتب التي تعرضت للنسوية أو القضايا الاجتماعية الخاصة بالمرأة كانت نمطية كثيراً وقليلاً ما تمنحك الدهشة المطلوبة.
الكتاب عبارة عن مقالات ومن خلال تواريخ نشرها ونوعيتها يوجد تباين في نسقها وترتيبها العام، ولكن لا بأس في ذلك بالنسبة للمتلقي العادي، وإن كان سيحسب على الكاتبة -كأكاديمية- عدم عنايتها بتوثيق مراجعها ومصادرها في ما كتبته والإدراك بأنه متى تحولت المقالات الصحفية إلى كتاب فإنه يصبح مطلوباً معالجتها بشكل مختلف.
على سبيل المثال، تطرقت المؤلفة إلى استعراض موجات النسوية من الأولى حتى الرابعة بشكل مختصر، قبل أن تبدأ بمحاولة موضعة موقف الحركة النسوية السعودية من تلك الموجات، وغير المتخصص -مثلي- يعجبه تبسيط عرض المسألة، ولكن المتخصصين قد يدخلون في جدل حول دقة التصنيف والتعريفات ومرجعيتها العلمية! لا ألوم الكاتبة كثيراً فبصفة عامة، ومن خلال تجربة، لدينا إشكالية كبرى أو ضعف واضح في مجال التحرير الأدبي أو الفني أو العلمي الذي يراجع ويدعم المؤلف في إخراج مؤلفه. هذه تجربة أولى أو هي مغامرة أولى للكاتبة -حسب معلوماتي- تستحق التقدير والاحتفاء بها.
في فصل آخر تطرقت إلى تعريف المرأة المثقفة وتصنيفها إلى أربع فئات؛ المثقفة الناشفة، المثقفة الجارية، المثقفة السماوية، والمثقفة التائهة. أشارت المؤلفة إلى التداخل في ذلك التصنيف، لكن التسمية أو التصنيف قد تكون محرجة لبعض الفئات التي ستحاول التنكر للفئة التي تنتمي لها، ولست أدري هل كان بالإمكان استخدام مسميات أو توصيفات أكثر لباقة بدلاً من مصطلح الناشفة أو الجارية. المتتبع لمواضيع الكتاب وأسلوب الكاتبة لا يستغرب ذلك، حيث بدت المؤلفة صريحة في طرحها وتسمياتها للأمور، حيث امتد تناولها للقضايا النسوية إلى علاقة المرأة بجسدها وطبيعة التحرش والغزل في المرأة.... إلخ.
من اللفتات الفلسفية في الكتاب محاولة قراءة شهرزاد وشهريار ودور الحكاية في الحب وكونها تتغلب على دور الجسد بدليل استمرار شهريار ألف ليلة والقضاء على غيرها بعد ليلة واحدة فقط، وهنا مدخل عميق لآليات الحب والتآلف والانجذاب والاستمرار برزت فيه خلفية المؤلفة المهنية وفهمها العميق للعلاقات وأسس التواصل بين الناس. «لعل كل امرأة هي شهرزاد، أو تمتلك بعضاً من طيفها.. تمضي عمرها تجمع الحكايات تنظمها كجديلة سرية تخفيها تحت طيات ملابسها». ليس بالجسد وحده تتألف الأرواح، بل بالحكايات والنمائم المعلنة وغير المعلنة.
لقد صنفت المؤلفة الناس إلى أربعة نماذج: يعيش في قوقعته، يعي رداءة الواقع ومصاب باليأس، يعي رداءة الواقع فيكون انتهازياً له، وواعي للواقع ويحاول تغييره قسراً. لست أدري كيف ستصنف المؤلفة نقدي لكتابها ولعل هناك نموذجاً خامساً ربما يكون أكثر إيجابية. تحية للمؤلفة، فالغرض هنا ليس تلخيص الكتاب بقدر ما هو الاحتفاء وحث الدكتورة السليمان على مزيد من الغوص في مقارباتها للصورة السوسيولوجية للمجتمع.