حمّاد السالمي
* الصُّخيرات.. تصغير من صَخَرات جمع صَخْرة. مدينة مغربية شاطئية سياحية واقتصادية جميلة، تطل على المحيط الأطلسي في جهة: (الرباط سلا زمور زعير). تبعد عن مدينة الرباط بـ 30 كلم، وعن العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء بـ 60 كلم، ويبلغ عدد الساكنة فيها قرابة (50 ألف نسمة).
* جرت في هذه المدينة الوادعة الجميلة؛ محاولتا انقلاب فاشلتان للراحل الكبير (الملك الحسن الثاني) - رحمه الله- الأولى كانت في 10 يوليو 1971م، في القصر الملكي، وتزعمها بعض الجنرالات العسكريين أوانذاك في يوم عيد الملك، والثانية قادها أوفقير، وسميت عملية (بوراق F5) في 16 أغسطس 1972م، عن طريق مهاجمة الطائرة الملكية التي تقل الملك الحسن -رحمه الله - وهو عائد من برشلونة.
* المحاولتان منيتا بالفشل، ومحاولة أوفقير رويت حولها قصة عجيبة، تتعلق بشخص مرموق من رجالات الملك - رحمه الله- أسهم في إفشالها بطريقة عجيبة. وكنت كلما زرت المغرب ومررت بالرباط؛ أمر بالصخيرات، وأبحث عن هذا الشخص العجيب الذي ما إن ظفرت به أخيرًا وسألته؛ حتى لاذ بالصمت الذي يرى أنه أبلغ من الكلام..! وله كل الحق في أن يختار هذه اللغة البليغة بطبيعة الحال.
* هناك شخص آخر ليس من الصخيرات ولا من المغرب الشقيق، ولكنه من بلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية). يبدو أنه كان مثلي محبًّا للمغرب، ومحبًّا للصخيرات التي يلامس موجها شاطئها صباح مساء؛ محدثًا صوتًا مموسقًا جذابًا؛ يجمع بين البحر واليابسة في لغة شعرية ساحرة قلّ من يسبر غورها. وحده الشاعر الكبير الملهم (غازي القصيبي) - رحمه الله- من يفهم هذه اللغة الشعرية المتداولة بين ماء القنيطرة وشجرها الأخضر المنبث على ضفاف شاطئها الأخضر، ثم يترجمها في لوحة شعرية ولا أبدع.
* قرأت فيما سبق شعريات وأدبيات وسرديات القصيبي كلها؛ فلم أجد هذه القصيدة (الصخيرية) قبل عيد فطرنا هذا الفارط. القصيدة أتحفني بها مشكورًا الصديق (محمد بن عواد الجهني)، في قصاصة ورقية منشورة في زاوية الكاتب جهاد الخازن: (عيون وآذان) بدون تاريخ نشر. ولكن الخازن يقول في معرض تقديمه للقصيدة: (أهداني الصديق الكبير والوزير الخطير الدكتور غازي القصيبي؛ قصيدة هاذرة قد لا تكون المعلقة الحادية عشرة ...). ومع تحفظي على قوله: (هاذرة)؛ إلا أنه يقول في التقديم ما يشي بأنها قيلت في حياة القصيبي وهو وزير قبل السفارة، أو وزير بعد السفارة. لا ندري. والقصيبي شاعر مرهف، اهتز بدون شك لجمال الصخيرات وطيب هوائها، كيف لا وهي على ضفاف الأطلسي، وتشرب من مصب (نهر أبي الرقراق) القادم من مرتفعات وغابات الأطلس الأوسط.
* سؤالي الذي بقي بدون إجابة عن قصة الرجل العجيب في إفشال محاولة أوفقير الانقلابية سنة 1972م؛ تبعه سؤال آخر بدون إجابة عن سر قصيدة القصيبي الصخيرية، التي لم يضمنها ما نشر في حياته من شعره في دواوينه؛ إلا إذا فاتني هذا فلم أره. كيف فاته هو هذا..؟
* الكاتب جهاد الخازن؛ وبعد أن أورد نص قصيدة القصيبي في مقاله؛ رد بعشرة أبيات معتذرًا عن (بهدلة) الشعر على يديه..! واعتذر كذلك من الخليل بن أحمد، والمتنبي، وشعراء العرب في الوطن والمهجر..! وعندما قرأت أبياته، عذرته كذلك على اعتذاره، وقلت: أحسن فيما قال وفعل، فقد صدق في كل ما أبدى من اعتذار، وكل ما أفصح عنه من شعور نبيل لصديقه (الكبير والوزير الخطير غازي القصيبي).
* قال القصيبي - رحمه الله- في (الصخيرات ومن الصخيرات) هذه القصيدة التي تجمع بين لواعج نفسية شتى، ففيها عاطفة جياشة، وفيها تجسّر وتحسّر، وفيها تضمين لطيف لمفردتين من الدارجة المغربية اللطيفة، فهو يقول: (باللاتي)؛ أي تمهّل، ويقول: (بشطحات)؛ والشطح هو الرقص. وها هي القصيدة الراقصة على شاطئ الصخيرات:
يا دار جنة من ذات الصخيراتِ
ذكرتني بلياليّ القديمات
ذكرتني بمهاة كنت أعشقها
وكنت أنظم فيها جلّ أبياتي
إن قلت جودي بوصل يا معذبتي
جادت بقولتها (باللاتي.. باللاتي)
صدّت وقد أبصرت شيبي فوا أسفًا
لا يصلح الشيب إلا للقبيحات
وفوق ذلك شيبي يرتدي صلعًا
أي المليحات تغويها بصلعات
لو كنت لاعب (فوتبول) لما صدفت
عني وأعجبها ركلي (وشوتاتي)
لو كنت نجمًا غنائيًّا لما هجرت
وهزها طربي يغري بشطحات
أو كنت أملك مليارًا و(فَكّته)
لاستقبلتني بتحنان وقبلات
فيا صديقي مضى عهد انتصاراتي
وجاء عهد انتكاساتي وآهاتي
وأنذرتني بضغط الدم أوردتي
وعاتبتني على الأوهام مراتي
وقال كل حكيم من بني وطني
إلى الرجيم وإلى ربط معدات
أسيرُ بيد طبيب حين جس يدي
مضيت عنه بآلاف (الروشتات)
إلى الأشعة آلات تصورني
حتى تلوّث جسمي بالشعاعات
فرحت أقرأ طوقانًا وأخبره
مضى الزمان بعيدٍ في (البيجامات)
* رحم الله أبا سهيل. كان قمة وقامة؛ قمة في أخلاقه وأدبه وإدارته ووزارته وسفارته، وقامة في إبداعه وأدبه، وفي شعره ونثره.