رمضان جريدي العنزي
الإسلام نهى عن الكذب، بل جعله محرمًا ومعيبًا ووصمة عار لكل من يمارسه ويعمل به، ومرتكبه آثم، وهو من أسوأ الصفات، ومحترفه يسمى كذابًا، إن أكثر ممارسي الكذب هم من الفاشلين الذين يزيفون الحقائق جزئيًّا أو كليًّا، بنية وقصد الخداع، لتحقيق هدف معين ماديًّا أو نفسيًّا أو اجتماعيًّا، أو لتبرير موقف، أو عمل، وقد يقترن بعدة جرائم مثل الغش والتدليس والنصب والسرقة، وللكذاب حيل وطرق خادعة، حيث يميل للأقوال والأفعال الرديئة، ويسبح في بحر المصالح والمنافع، ولا يضير الكذاب التلفيق والتزوير والتسويف، إن الكذاب يحسب نفسه ذكيًّا وصاحب دهاء وحسن صنيع، وما درى بأنه يغالط الوقائع، ويفسد الحياة، أن الكذاب يصور المعدوم موجودًا، والموجود معدومًا، والحق باطلاً، والباطل حقًا، والخير شرًا، والشر خيرًا، وعنده دوافع دنيئة للتشكيك في الواقع النظيف، وبإمكانه أن يزيد وينقص، يهجو ويمدح، من أجل مكسب دنيوي زائل، والكذاب وجه للشيطان، عنده هوس واضطراب نفسي، «ميتومانيا» يمكن أن يتحول إلى «الشيزوفرانيا» وهو يصيب الأشخاص الذين يعانون من الأنا العليا والنرجسية المفرطة والذين عندهم نقص في الذات وعدم الثقة، وللكذب مساوئ، منها ذهاب البهاء من المرء، وسواد الوجه، ونقص الرزق، إن الكذب لا يقود إلى فضيلة أو خير أبدًا، فهو في حد ذاته شر ونقمة، إن الكذاب وإن نمق الكلام، وجمل الحكايا، ولون القصص، وجاء بالحجج، فإنه سينكشف، وسيسقط من أعين الناس لا محالة، لأن الكذاب ظالم، والظالم لا ينصره الله، إن الكذب ضرب من الرياء والنفاق، تجده في الخسيس، ولا يمتهنه الرجل الواثق الشجاع، وقد قالت العرب: اثنان لا يجتمعان «الكذب والمروءة» فالمُروءة هي مجموعة الفضائل التي كان العرب تعتز بها، والكذب مجموعة رذائل ممقوتة، فهذا أكثم بن صَيفي يقول «الصدق مَنجاة، والكذب مَهواة»، ثم إذا تفحصنا أولئك الكاذبين فسنجدهم لا يثقون بأنفسهم كما يجب، ولا يستطيعون الدفاع عن أخطائهم، فيزخرفون أقوالهم، وأخطرهم أولئك الذين يبالغون ولا يبالون بالنتائج فيجعلون من الظلام نهارًا، ومن النهار ظلامًا، إن الكذابين والخرّاصين في المجتمع غالبًا ما يُعرفون بسيماهم، وجزاؤهم أنهم لو صدَقوا لا يصدّقهم الناس، حتى لو هزّ الناس لهم رؤوسهم، قال شاعر:
حسبُ الكذوب من البليّة بعضُ ما يُحكى عليهْ
مهما سمعتَ بكذبةٍ من غيره نُسبت إليه
وقال أبو العتاهية:
إياك من كذب الكذوب وإفكه
فلرُبما مزَج اليقينَ بشكّهِ
ولرُبما كذب امرؤٌ بكلامه
وبصمته وبكائه وبضحكه
ولربما ضحك الكذوب تكلّفًا
وبكى من الشيء الذي لم يُبكِهِ
إن على الإنسان أن يصدق ثم يصدق حتى يكون من الصادقين المفلحين، وعليه أن يسأل الله أن يجمل لسانه بالصدق، بعيدًا عن الكذب والتضليل، والفبركة والتلفيق، والتزييف والتزوير، والادعاء والمواربة والخداع، لأنها صفات سيئة، وليست حميدة.